banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

قضايا إسلامية معاصرة
رسالة التقريب - العدد ٢١

الشهرستاني
1419

كتاب من القطع الصغير يقع في ١٢٨ صفحة يشتمل على أجوبة عن أسئلة وجهها خالد اللحام الى السيد فضل اللّه. ويلاحظ أن الهمّ الاول في الاسئلة المطروحة يرتبط بالوحدة الاسلامية، والمجتمع الديني المتحضّر.
حول الاسلام الشامل الذي يدعو اليه دعاة الوحدة والتقريب يقول السيد فضل اللّه:
"عندما نريد أن نطلق كلمة الإسلام الذي يمثل عنوان الوحدة، فإننا نتصور الركائز الأساسية للعقيدة الإسلامية في توحيد اللّه، وفي رسالة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، وفي الإيمان باليوم الآخر.
كما نتصور القرآن على أنه كتاب اللّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ونتصور الحقائق الفقهية الإسلامية في ما اتفق عليه المسلمون من العبادات التي هي من ضروريات الدين، كالصلاة والصيام والحج والزكاة والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما الى ذلك.
وفي الدائرة الثانية نتصور أن الكتاب والسنّة هما المصدران الأساسيان لاكتشاف الشريعة عند المسلمين، وتبقى بعد ذلك التفاصيل في داخل كل مفردة من هذه المفردات.
- مثلاً في مسألة توحيد اللّه، هل أن التوسل بالأنبياء والأولياء يمثل نوعاً من أنواع الشرك بحيث ينافي التوحيد أو لا ينافيه؟
وإذا كان ينافيه في العمق بالمعنى الفلسفي الدقيق فهل هو ينافي الصورة العامة للتوحيد التي وضعت في مقابل الشرك الوثني؟
…. وهكذا نلتقي ببعض الخلافات في شخصية الرسول (صلى الله عليه وآله)، هل هو معصوم في التبليغ فقط؟ أو هو معصوم في كل أفكاره وفي كل تصرفاته؟
…. ومسألة اليوم الآخر: هل هو معاد روحاني أو جسماني أو ما إلى ذلك؟
فإن انتقلنا إلى مسألة العبادات فهناك بعض التفاصيل التي يختلف فيها المسلمون في بعض شكليات الصلاة، وفي الصوم…. في الوقت الذي يفطرون فيه: هل هو غروب الشمس أم ذهاب الحمرة المشرقية؟ … وفي الحج في بعض التفاصيل.
- إننا نتصور أن هذه الخلافات التي حدثت بين المسلمين بفعل الاختلاف في تفسير بعض الكتاب، أو في تصحيح بعض ماورد من السنّة، أو في فهم بعض ماورد من السنّة، أو الاختلاف في ماهو مفهوم الكفر والإسلام، إن هذه الخلافات لايمكن أن تخرج مسلماً عن إسلامه.
أولاً، لأنها اختلافات في حركة الفروع في الأصول، أو في حركة الفروع في الفروع وليس في الأصول نفسها.
واذا كان اللّه قد قبل إسلام الذين أسلموا حياتهم للّه واعترفوا بالإسلام وإن لم يؤمنوا، فمن الطبيعي أن يقبل إسلام الذين يشهدون الشهادتين ويتحفظون في بعض التفاصيل في جزئيات مايتعلق بهذه الشهادة أو تلك الشهادة من دون أن يسيء الى المبدأ، لابد أن يكون إسلامه مقبولاً.
لذلك فأنني أتصور أنه ليس عندنا إسلامان، هو إسلام واحد ولكن المسلمين اختلفوا في فهم كثير من جزئياته وتفاصيله. ولذا فإننا عندما نواجه الواقع الإسلامي الذي يختزن هذه الخلافات فإننا لانجد هناك اختلافاً في الصورة العامة، فالمسلمون كلهم يؤدون الصلاة، ويصومون شهر رمضان ويحجّون إلى بيت اللّه الحرام ويدفعون الزكاة، ويتعبدون للّه سبحانه وتعالى ويعلنون وحدانيته ويؤمنون برسالة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله).
لن تجد أي مسلم من المسلمين يمكن أن يتحفظ في الجواب عن أي سؤال يتصل بالمبادئ، اذاً، هناك إسلام واحد نختلف في بعض تفاصيله، وما نتفق فيه في هذا الاسلام أكثر مما نختلف فيه، وما يختلف فيه المسلمون ليس حالة مذهبية بل قد تراها متناثرة في المذهب الواحد، وقد ترى مذهباً إسلامياً منفصلا عن مذهب إسلامي آخر يلتقي من خلال وجهات نظر بعض علمائه بالمذهب الآخر وببعض وجهات نظر بعض علماء هذا المذهب.
في تصوري أن مسألة وجود إسلام سني، أو وجود إسلام شيعي هي من الأمور التي أريد لها أن تخلق حالة نفسية بين المسلمين يخيل فيها للمسلمين بأن اختلاف المذهب يشبه اختلاف الدين.
ويأتي ذلك انطلاقاً من الخطط التي يراد لها أن تكيد للإسلام وللمسلمين، لذلك إنني أفهم الوحدة في التنوع، أو التنوع في الوحدة بأن هناك إسلاماً واحد يختلف المسلمون في بعض تفاصيله وفي بعض جزئياته، ولكنهم يتفقون على المبدأ" (ص ٧ - ٩).
وبشأن الدعوة الى قيام مجلس فقهي موحّد للمسلمين يقول السيد:
"كنا ولانزال ندعوا إلى قيام مجلس إسلامي يدرس القضايا الإسلامية المختلف فيها على مستوى علم الكلام، أو على مستوى الشريعة، بحيث يجمع المسلمين في مجلس واحد ليتخاطبوا وجها لوجه في مايرصده بعضهم ضد الآخر من انحرافات، أو في مايثيره كل فريق منهم من خلافات.
إنني أتصور أن التخاطب عن قرب، وبشكل مباشر، يزيل الكثير من الحواجز النفسية التي لاتزال تأثيراتها تتعمق في نفوس العلماء، وفي نفوس العامة، ويزيل كثيراً من الأوهام التي يحملها هذا الفريق عن الفريق الآخر وبالعكس.
إن ذلك هو السبيل الوحيد للوصول الى قناعات مشتركة، أو موحدة، أو الى قناعات متقاربة، أو الى قناعات متفاهمة إذا لم يستطع أحد المجتهدين أو أحد أتباع هذا المذهب أن يقنع أتباع المذهب الآخر، فإن النتيجة الكبيرة التي تحصل من ذلك هي أنهم عندما يختلفون ويتحاورون في خلافاتهم فإنهم يطّلعون على أن كل فريق قد انطلق من خلال الأصول المعتبرة في مسألة الاجتهاد وأنه إذا أخطأ في اجتهاده فإنه لم ينطلق من خلال تعمد الخطأ، أو من خلال الانحراف عن الخط الذي تتحرك فيه القواعد الإسلامية للاجتهاد، بل إنه أخطأ من موضع الصواب.
إننا نؤكد على هذه المسألة، لأننا في ما نلاحظه من السير أو من السلوك الإسلامي للمسلمين المختلفين في المذهب، أو للمسلمين المختلفين في الاجتهاد، أنهم يتخاطبون من خلال كتبهم، أو من خلال ما يسمعه فريق عن آخر، وربما نجد أن هذه الكتب تحمل الغث والسمين، فقد نجد هناك أشياء خرافية في الكتب السنية، وقد نجد أن هناك أشياء خرافية في الكتب الشيعية، وقد نجد أن هناك أحاديث موضوعة عن النبي (صلى الله عليه وآله) في كتب الشيعة، أو حتى عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين يدين الشيعة بامامتهم، وقد نجد أن هناك أحاديث موضوعة في كتب السنّة.
ونحن نعلم أن هذه الأحاديث الموضوعة هنا وهناك دخلت الذهنية العامة بفعل الأحاديث التي يتحدث فيها الوعّاظ والمرشدون ويقرؤها الناس في الكتب مما جعل تأثيراتها كبيرة في العقلية العامة أو الذهنية العامة للمسلمين.
وقد ألف العلماء من السنّة والشيعة كتباً في نقد الأحاديث وفي بيان القواعد التي تخضع لها الأحاديث في صحتها أو عدم صحتها، كما أنهم تحدثوا كثيراً عن الأحاديث الموضوعة هنا وهناك.
لذلك فإن المسألة التي قد نلاحظها أن الشيعة عندما يحاولون الاحتجاج على السنّة فإنهم يأخذون من كتبهم ما يتوافق مع الاتهامات التي يوجهونها إليهم وبذلك تكون المسألة أن كل فريق يريد أن يسجل نقطة على الفريق الآخر بقطع النظر عما إذا كان الفريق الآخر يستجيب لذلك بحسب قناعاته أو لا يستجيب.
إن هذه الروحية التي تحكم الجدال الذي يمارسه هذا الفريق أو ذاك الفريق ضد الآخر قد تكون أبعدت السنّة عن الشيعة، وأبعدت الشيعة عن السنّة، وخلقت هوّةً جديدة بحيث أصبح كل فريق ينظر إلى الفريق الآخر على أنه يبتعد عن الاسلام أساساً من خلال بعض اللقطات هنا أو هناك كما نلاحظه في ما حاوله الكثيرون من الكتاب الذين يكتبون في عقائد الشيعة من خلال أوضاع مخابراتية تموّلها بعض الدول المرتبطة بالاستكبار العالمي، بحيث أنهم يصرون من خلال بعض الأحاديث التي يطلعون عليها في كتب الشيعة في مايتصل بتحريف القرآن، أو من خلال بعض اجتهادات بعض العلماء الذين واجهوا الرد من قبل الشيعة، يصرّون بالرغم من نفي الشيعة على أن الشيعة يملكون قرآناً آخر يسمى مصحف الزهراء، أو أنهم لا يرون أن هذا القرآن هو كتاب اللّه الجامع الذي لا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً، بالرغم من أن أي سنّي لو فرضنا أنه طاف شرق الأرض وغربها في كل مكان للشيعة ودخل بطريقة سرية ومخابراتية فإنه لن يجد قرآناً غير هذا القرآن يدين الشيعة به ويقرأونه ويتعبدون اللّه به. إننا نجد أن هناك إصراراً على النفي، وإذا حدثتهم عن النفي يقولون لك بأن هذا النفي يمثل التقية التي يدين بها الشيعة غير م
لتفتين إلى أن الشيعة في هذا العصر خرقوا كل تقية، فقد طبعوا كتبهم السخيفة والجيدة، وطبعوا الكتب التي تتنافى مع كل تقيه والتي تبسط كل عقائدهم.
إن المسألة أن القضية قد تحولت إلى عقدة لدى كثير من الناس، وأن هذه العقدة انطلقت من تراكمات تاريخية فرضتها الأوضاع المعقدة التي عاشتها الخلافات بين السنة والشيعة من جهة، كما فرضتها الأوضاع المخابراتية الاستكبارية التي عملت بفعل سياسة مرسومة طويلة النفس على إبعاد المسلمين عن بعضهم وذلك لإثارة الخلافات فيما بينهم ولتحريك العصبيات المنطلقة من خلال الجزئيات الصغيرة التي قد تحرك بشكل غير صحيح في هذا الجانب أو في ذلك الجانب.
إننا نعتقد أن الحل هو في قيام المجلس المشترك الذي يلتقي فيه المسلمون على البحث في كل ما يختلفون فيه بطريقة علمية موضوعية ترجع كل شيء إلى اللّه وإلى الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولكن المشكلة في انعقاد مثل هذا المجلس هي أن الحكومات المرتبطة بالكفر من ناحية سياسية تعقد ذلك وتمنعه وتتدخل في سبيل إسقاط مثل هذه المشاريع الوحدوية، كما أن التخلف الذي لايزال المسلمون يعيشونه في مايختزنونه من سلبيات تاريخية، لاسيما لدى العلماء الذين يعيشون الإسلام بعقلية المهنة التي يتعيشون منها لابعقلية الرسالة التي يضحون من أجلها.
إن هذا كله أصبح يمثل وضعاً معقَّداً يمنع من قيام أية حالة وحدوية فكرية علمية، لكننا لا نتشاءم أو نيأس إنما نعتقد أن المسألة تواجه صعوبات كبيرة لابد للوحدويين الإسلاميين من أن يعملوا على تذليلها وذلك بالاكتفاء بوجود نماذج وحدوية في هذا البلد أو ذاك تقدّم النموذج الحي لواقعيّة الوحدة على أساس علمي موضوعي" (ص ١١ - ١٤).
وحول اختلاف الشيعة والسنة في مسألة الامامة، إذ يعتقد الشيعة بالنص والسنة بالشورى يقول السيد فضل اللّه:
"لا أعتقد أن مسألة النص والشورى هي الأساس في اختلاف المسلمين، أو في خلاف المسلمين على نحو لا يملكون معه أساساً للوحدة، لاسيما في عصرنا هذا الذي لا حركة فيه للنص في مسألة الإمامة، لاسيما أن الشيعة يعتقدون أن الإمام الذي يؤمنون بـإمامته غائب، مما يجعل إمكانية اللقاء بين السنة والشيعة على أسس مشتركة في مسألة القيادة والحركة في خط السير.
ذلك لأن هناك نظرة يملكها بعض علماء الشيعة بأن الشورى هي التي تحكم واقع القيادة في زمن الغيبة بحيث يمكن أن تلتقي هذه النظرة مع نظرة الشورى الموجودة عند السنة، وهكذا حتى نظرية ولاية الفقيه، فهذه النظرية قد تنطلق في وعي القائلين بها من خلال نصوص يروونها فيرون أن "العلماء ورثة الأنبياء" أو "أن العلماء أمناء الرسل" في ما يروونه عن النبي (صلى الله عليه وآله) على أساس أن مسألة ولاية الفقيه في ما يعتقده هؤلاء منطلقة من خلال الأحاديث النبوية الشريفة التي قد يوافق عليها حتى بعض علماء السنّة في مصدرها الأساسي.
ولكن في الوقت نفسه من الناحية العملية فإن الفقيه الذي يملك الولاية يخضع للشورى، لشورى الأمة، فعندما نجد في واقعنا القريب أن الإمام الخميني (قدس سره) أصبح في مركز الولاية على أساس أن جماهير الأمة وثقت به وتحركت معه والتزمت بآرائه وبخطه في ما انطلق به من حركة الولاية في حياة الأمة، كما أن آية اللّه السيد الخامنئي انطلق في خط الولاية من خلال شورى أهل الحل والعقد التي التقت بعد ذلك بمبايعة الأمة له.
إذن، نحن نعتقد أن الذين يقولون بولاية الفقيه لا يقولون بها بشكل اسبتدادي، بل لابد أن يكون الفقيه يتحرك في خط الولاية بشكل فعلي حائزاً على ثقة أهل الحل والعقد وعلى ثقة الأمة بشكل عام.
ونحن نعرف أن القائلين بالشورى لا يدعون استقطاب الأمة بكل أفرادها في مسألة الشورى ولكنهم يتناقشون في أن المراد بالشورى: هل هي شورى أهل الحل والعقد؟ وربما يتحدث بعض الناس عن الأكثرية، وما الى ذلك.
إن هناك إمكانات كبيرة للحل في هذه المشكلة المعقدة في مسألة شرعية القيادة على أساس حركة الوحدة الإسلامية في هذا العصر بالذات اذا لم يتمكن المسلمون من أن يكتشفوها في العصور الماضية.
إن ما نلاحظه في هذا المجال أن ما يشترطه أصحاب نظرية ولاية الفقيه في الفقيه الذي يلي شؤون الأمة لا يبعد عن الشروط العامة للقائد المسلم في وعي المسلمين الحركيين، فإنهم يشترطون في القائد أن يكون فقيهاً مجتهداً وأن يكون عدلاً في دينه وأن يكون خبيراً في أهل زمانه وخبيراً بشؤون حركة الولاية والقيادة في واقعه" (ص ٢٠ - ٢٢).
وحول فكرة "التقريب بين المذاهب الاسلامية" وإمكان نجاحها يقول السيد:
"الواقع أن فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية كانت فكرة متقدمة، ونستطيع أن نقول ثورية، في المستوى العلمي الثقافي الذي كان يستهدف إيجاد نوع من الانفتاح الثقافي الذي يطلع فيه علماء السنّة على مالدى الشيعة، ويطلع علماء الشيعة على مالدى علماء السنّة، ويتحرك في حوار قد لا يثير أسلوب الخلاف في مسألة الفعل ورد الفعل، ولكنه حوار منفتح يحاول كل فريق فيه أن يطرح وجهة نظره في القضايا على أساس الأسس التي يعتمدها في استنتاجاته الكلامية، أو في استنتاجاته الفقهية، ليقابله الفريق الآخر بمثل ذلك، ليشعر العلماء من هذا المذهب أو ذاك المذهب بأنهم اذا اختلفوا في بعض النتائج فإنهم لا يختلفون في أن كل واحد منهم قد ارتكز على مصادر الشريعة الاسلامية، من خلال وجهة نظره التي تلتقي بالمصادر التي يعتمدها الجانب الآخر.
وقد استطاعت هذه الحركة الثقافية أن تصنع علاقات بين المسلمين، وأن تؤدي بالتالي الى الفتوى التي أطلقها الشيخ محمود شلتوت رئيس الجامع الأزهر آنذاك في اعتبار المذهب الشيعي مذهباً إسلامياً يجوز التبعد به والالتزام بـاجتهاداته كما يجوز التعبد بسائر المذاهب الإسلامية باعتبار أنه مذهب يرتكز على الكتاب والسنة في استنتاجاته واجتهاداته تماماً، كما أن المذاهب الأخرى تعتمد على الكتاب والسنة في ما انتهت إليه من اجتهادات واستنتاجات.
لكن هذه الحركة، كانت حركة ثقافية في نطاق العلماء المسلمين، والمفكرين المسلمين، ولم تتحرك لتصل الى الشارع، لتدخل الجماهير إلى الانفتاح على مثل هذه الأفكار أو مثل هذا المشروع الثقافي الجليل، لذلك فإنها بقيت في دائرة النطاق الثقافي في مستوى النخبة، ولم تنزل إلى مستوى الجماهير، إلا من خلال أنها استطاعت أن تثير في بعض علماء المسلمين من السنة والشيعة هذه الذهنية الوحدوية التي انعكست على الموقع الذي يتحرك فيه هذا العالم في دائرته الخاصة، أو يتحرك فيه ذلك العالم في دائرته الخاصة، أو من خلال بعض الأجواء الصحافية وما إلى ذلك.
لذلك، فإن هذه الحركة لم تنجح في استقطاب الجماهير لأنها لم تكن حركة جماهيرية ولم يكن الأشخاص المعنيون بها يملكون هذا الامتداد الجماهيري في حركيتهم، ومن خلال ذلك سقطت هذه الحركة تحت تأثير الأجواء السياسية الضاغطة في العالم الاسلامي، التي كانت تريد بطريقة وبأخرى، أن تعمل على الاستفادة من بعض نقاط الضعف الموجودة في العالم الإسلامي، ولذلك ضيقت على هذه الحركة حتى انتهت الى إفلاس اقتصادي فأغلقت المجلة التي أصدرتها "دار التقريب" وهي "رسالة الإسلام" وتفرق ومات بعض القياديين فيها، وتقاعد البعض الآخر وأصبحت مجرد إطلاقة ثقافية تاريخية في بعض المراحل التاريخية التي أعطت بعض الضوء ودخلت في الظلام.
ونحن نأمل أن تجد هذه الحركة طريقها إلى النور من جديد، من خلال قرار آية الله السيد علي الخامنئي، تأسيس مجمع للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وقد بدأ هذا المجمع اجتماعاته في نطاق اللجنة العليا التي تضم مختلف المذاهب الإسلامية، وبدأ بأول مشاريعه بطباعة المجلدات العشرة من "رسالة الإسلام" لإيجاد جو ثقافي يعطي الضوء للتحرك في مشاريع جديدة، وانطلاقات جديدة.
إنني أتصور إذا قدر لهذا المشروع الذي ترعاه القيادة الإسلامية المتمثلة بالولي الفقيه أن يرى النور فإن من الممكن أن تكون فرصه في النجاح من ناحية الإمكانات أكثر من فرص التجربة الأولى.
وهناك نقطة أخرى، وهي أن الجو الإسلامي الوحدوي قد استطاع أن يخطو خطوات واسعة في المسألة الجماهيرية الإسلامية مما يجعل من هذه الحركة حركة في نطاق تركيز مواقع الذهنية الإسلامية الوحدوية على أسس علمية مدروسة.
لذلك إن علينا أن ننظر إلى التجربة المذكورة كحركة ثقافية في نطاق النخبة لا إلى حركة جماهيرية في نطاق الجماهير، ومن الطبيعي أن تجميد حركة هذه التجربة كان مرده ضعف الامكانيات المادية من جهة، ومن خلال الظروف الخاصة التي عاشها القائمون عليها من جهة أخرى، لأن بعضهم أنتقل إلى جوار ربه، وبعضهم وصل إلى سن متقدمة لا يستطيع فيها التحرك، بالإضافة إلى وجود أوضاع سياسية معقدة في مصر وفي العالم العربي وفي اللعبة السياسية الدولية التي تطل على هذين الموقعين، إن ذلك أدى الى هذه النتيجة السلبية.
وإنني أتصور أن الأجواء الإيجابية من خلال حركة الثورة الإسلامية التي انتصرت فكوَّنت الجمهورية الإسلامية في ايران وما زالت تعمل في الخط الوحدوي بطريقة وبأخرى، كما أن الصحوة الإسلامية انتشرت في أنحاء العالم الإسلامي وأصبحت الوحدة تشكل عنواناً كبيراً من عناوينها الحركية السياسية.
إن هذا الجو الجديد ربما يخلق مناخاً جديداً واعدا بإمكانات النجاح للتجربة الوحدوية الجديدة على المستوى الثقافي والمستوى الجماهيري بشكل أكبر، لأننا كما قلنا في بداية الحديث إن المشكلة في هذه التجربة أنها لم تكن تجربة جماهيرية وحدوية، بل كانت تجربة نخبوية وحدوية، ولم تستطع أن تصل إلى المستوى الجماهيري لأنها لم تكن مهيأة لذلك، بينما نجد أن التجربة الجديدة تمثل تجربة جماهيرية في الجو الإسلامي العام.
ومن الطبيعي أننا في كل تجربة جماهيرية وحدوية تنطلق في الواقع السياسي العام لابد أن نواجه الكثير من المشاكل الجديدة من خلال ما يمكن أن تؤثر فيها التجربة الوحدوية على مصالح الاستكبار العالمي وعلى مصالح حراس امتيازاته في المنطقة الإسلامية، الأمر الذي يجعلنا لا ننظر الى المستقبل نظرة استرخائية تماماً كما لو كنا قد حققنا كل عناصر النجاح في تجربتنا الجديدة، لأن التخلف الداخلي، والركام التاريخي الذي يعيش في واقع المسلمين، والذهنيات الضيقة التي يعيشها الكثيرون من العلماء تترك تأثيراتها السلبية على الجماهير، بالإضافة إلى خطط الاستكبار العالمي في الاستفادة من كل عناصر الضعف هذه، ومن إيجاد بعض العناصر الأخرى التي يمكن أن تضغط على الموقف أكثر، إن هذه المشاكل لابد أن نواجهها وأن نقوي مواقفنا الوحدوية للوقوف ضدها وهذا أمر يحتاج إلى أن نستشعر أننا بدأنا مرحلة صراع واسعة على أكثر المستويات في حركتنا نحو الوحدة الإسلامية، بحيث نشعر أن حركة الوحدة الإسلامية تنفتح على حركة الواقع السياسي العام باعتبار أنها تمثل مشكلة في آفاق هذا الواقع، لاسيما على مصالح المستبكرين" (ص ٣٠ - ٣٤).
تفسير الشهرستاني كتب في ميزان التقريب -
تفسير الشهرستاني
المسمى
مفاتيح الاسرار ومصابيح الابرار
محمد بن عبد الكريم الشهرستاني
الجزء الاول من تفسير الشهرستاني بقطع رقعي في ٣٢٤ صفحة طبعه مكتب نشر التراث المخطوط بطهران على مخطوطة فريدة في مكتبة مجلس الشورى الاسلامي، وحققه وعلق عليه الدكتور محمد علي آذرشب.
يبدأ هذا الجزء بمقدمة مستوفية لعصر الشهرستاني وحياته واتجاهه الفكري، ثم تبدأ المخطوطة بمقدمة هامة لنفس الشهرستاني تحت عنوان "مفاتيح الفرقان" ترتبط بعلوم القرآن وتاريخ القرآن، ويتلوها تفسير سورة الفاتحة، وبعدها أضاف المحقق ملحقين للكتاب إكمالا للفائدة، أحدهما يرتبط بمجلس مكتوب للشهرستاني عقده في خوارزم. والثاني مقارنة بين الجدول الذي يورده الشهرستاني لترتيب نزول السور القرآنية مع سائر الروايات المذكورة في هذا المجال.
والشهرستاني معروف بكتابه "الملل والنحل"، وهو رجل موسوعي فيما شهده عصره من مذاهب ونحل واتجاهات فكرية. وهو ينطلق من هذا الرصيد الضخم من المعلومات لتفسير كتاب اللّه العزيز. والملاحظ أنه يقف من هذه المذاهب في تفسيره موقف المجتهد الناقد القدير، وموقف الذي يرى أن كل تفرّق حدث بين المسلمين كان سببه عدم الاعتصام بالثقلين اللذين أوصى بهما رسول اللّه (صلى الله عليه وآله).
يقول المحقق في المقدمة عن الشهرستاني:
"والشهرستاني عاش في أواخر عصر … السلاجقة الكبار، وعاصر السلطان سنجر، وتنعم بفرصة الاستقرار النسبي التي شهدتها منطقة نفوذ السلاجقة زمن هذا لسلطان المقتدر، لكنه شاهد أيضا هزيمة سنجر على يد الخطائية والغز، وضعف هذه الدولة، وكثرة الفتن والاضطرابات بعد واقعة قطوان (٥٣٦هـ).
تنقل هذا الرجل بين مراكز العلم في عصره: "جرجانية" و"نيسابور" و"بغداد" و"مرو"، وأحاط بأفكار أهل عصره واتجاهاتهم إحاطة تتضح بجلاء من خلال كتابه الملل والنحل، ونبغ صاحبنا في فترة مبكرة أهلته لأن يدخل نظامية بغداد مدرسا قبل أن يدخل مرحلة التأليف التي بدأت بعد مغادرته بغداد.
تأتي أهمية مؤلفات الشهرستاني من إحاطته الواسعة هذه ومن نبوغه المبكر; ثم إن تفسيره الذي نقدمه في هذه الدراسة يميط اللثام عن ميزة أخرى للشهرستاني هي: "الاستقلال الفكري" التام، فهذا الرجل الذي عرف أنه فيلسوف يهاجم في تفسيره الفلاسفة وعرف أنه شافعي لا يتقيد بالفقه الشافعي، وعرف أنه أشعري ينتقد الاشاعرة كما ينتقد المعتزلة، كماأنه يرفض الباطنية التي اتهمه بعضهم بها; وينهج في تفسيره نهجا خاصاً يتعالى على كل الاتجاهات الفكرية والمذهبية في عصره، ويشرف عليها من قمة عالية ينتقي منها ما يريد.
هذا النضج الفكري في تفسيره غير مشهود في مؤلفاته الأخرى، ولعل ذلك يعود الى أنه ألّفه خلال آخر مراحل نضجه الفكري ومعاناته العلمية، أو قد يعود الى أنه لم يؤلّفه لولي نعمة يستهدف كسب رضاه، بل ألّفه في سنوات عمره الاخيرة بعد أن انقطع عن الانشدادات الدنيوية والارتباط بمراكز القدرة. لهذا التفسير خصائص أخرى تزيد من أهميته، ذكرناها في فصول دراستنا لهذا التفسير" (ص ٨).
يعقد المحقق فصلاً عن مذهب الشهرستاني يستعرض فيه أقوال معاصريه بشأن مذهبه ونسبة الاسماعيلية اليه، ثم يستعرض آراءه كما جاءت في كتاب "الملل والنحل" وكتاب "نهاية الاقدام في علم الكلام" وكتاب تفسيره هذا ويخلص الى النتيجة التالية:
"نعتقد أن الشهرستاني وقف من كلّ المذاهب والفرق، بعد أن استوعبها استيعابا يشهد عليه كتابه: الملل والنحل، موقف العالم الباحث عن الحقيقة، فوجَدَ أنّ الاسلامَ يتجسّد في شخصية علي وآل بيته، ووجد أن هؤلاء ورثة علم النبي في الاصول والفروع، وليس من الصعب على مسلم ينهج طريق أهل السنة والجماعة أن يتوصّل الى هذه النتيجة من خلال نصوص الصحاح والمسانيد. وهذا دفعه الى البحث عن علوم آل البيت في مختلف المصادر، وذكر رجوعه الى الكافي، وتفسير العيّاشي، غير أنه لم يؤمن بكل ماجاء فيهما كالغيبة مثلا، وآمن بالامام الحاضر. من هنا لا نستبعد رجوعه أيضا الى مصادر اسماعيلية، وأخذه منها ما اعتقده أنه من علوم آل محمد. ومن المحتمل جدا أن يكون للمصادر الاسماعيلية سهم واف فيما ذكره من أسرار، باعتبارها من مصادر علوم أهل البيت عامة، وعلوم الامام الصادق خاصة.
وبشأن الامامة فان إيمانه بوصاية علي واضح، ومثل هذا الايمان يمكن أن يحصل عن طريق النظرة المجردة الموضوعية الى الاحاديث المروية في كتب أهل السنة والجماعة [١]، ولا يستبعد أن يكون الشهرستاني قد آمن أن الامامة تستمر فيمن يرث علوم الاسلام ويعمل على نشرها [٢].
وفي هذا المجال حديث عن رسولا للّه (صلى الله عليه وآله) قال: "اللهم ارحم خلفائي، اللهم ارحم خلفائي، اللهم ارحم خلفائي" قيل: يا رسول اللّه من خلفاؤك؟ قال: "الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي" [٣] ….
مما تقدم نستبعد أن يكون الشهرستاني قد اعتنق الاسماعيلية، لكنه لايبعد أن يكون قد أخذ من المصادر الاسماعيلية ما رآه أنه من علوم آل محمد (صلى الله عليه وآله).
بعبارة أخرى، يفهم من كلام الشهرستاني أنه اتجه لأن يكون من الفرقة الناجية، وهي - كما يراها - فرقة أهل السنة والجماعة، ثم إن مذهب أهل السنة والجماعة ليس بالذي فرزته عقول الرجال على مر العصور، بل هو كما قال رسول اللّه "ما أنا عليه اليوم وأصحابي" ولا يمكن معرفة ماكان عليه رسول اللّه وأصحابه إلا عن طريق من ورث علومهم، وهم أهل البيت، فهم الخلفاء، وهم الائمة، وطريق الامامة مستمر فيمن يرث هذه العلوم.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
١ - راجع مصادر مثل هذه الأحاديث في المراجعات لشرف الدين وتتمة المراجعات للراضي.
٢ - يوجد في الملل والنحل نص يؤيد أن الشهرستاني يؤمن بنوع من الانفصال بين الامامة السياسية والامامة الدينية، فهو حين يذكر الفرق الشيعية يقف عند ذكره الامام جعفر بن محمد الصادق ويقول: "وهو ذو علم غزير في الدين، وأدب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات; وقد أقام بالمدينة مدة، يفيد الشيعة المنتمين اليه، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم، ثم دخل العراق وأقام بها مدة، ما تعرّض للامامة قط (المقصود طبعا الامامة السياسية) ولا نازع أحدا في الخلافة قط، ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط. ومن تعالى الى ذروة الحقيقة لم يخف من حط…" ثم يذكر الشهرستاني أقوالا عن الصادق هي نفسها المحور الذي اتخذه في مواقفه تجاه المذاهب المختلفة خلال تفسيره قال: "هذا قوله في الارادة: إن اللّه أراد بنا شيئا، وأراد منا شيئا; فما بالنا نشتغل بما أراده بنا، عما أراده منا؟ ! وهذا قوله في القدر: هوأمر بين أمرين لا جبر ولا تفويض. وكان يقول في الدعاء: اللهم لك الحمد إن أطعتك، ولك الحجة إن عصيتك; لا صنع لي ولا لغيري في إحسان، ولا حجة لي ولا لغيري في إساءة" الملل والنحل، ١ / ١٤٨.
٣ - كنز العمال، باب فضل العلماء عن ابن عباس ; البحار ٢ / ١٤٥، ح ٧.

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• المرأة المسلمة والتحديات العالمية من خلال بعض الاتفاقيات الدولية   (بازدید: 2732)   (نویسنده: محمد علي التسخيري)
• المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر   (بازدید: 2651)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• توصيات مؤتمر المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة   (بازدید: 4194)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• جلال الدين الرومي وآثاره العربيّة   (بازدید: 6849)   (نویسنده: فرح ناز رفعت جو)
• في أجواء نداء الحج لعام 1428هـ   (بازدید: 2882)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• قيمة الجمال في تداولها الإسلامي   (بازدید: 3253)   (نویسنده: عبد المجيد الصغير)
• منهج البيروني في دراسة الأديان   (بازدید: 4255)   (نویسنده: علي بن مبارك)
• ميتا - استراتيجيا المقاومة التبصُّر الخُلُقي نموذجًا   (بازدید: 2147)   (نویسنده: محمود حيدر)
• أزمة التخلف الحضاري و انعكاساتها على وضع المرأة المسلمة في عصرنا الراهن   (بازدید: 4151)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أزمة الحوار الإسلامي   (بازدید: 1352)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• أزمة الحوار السني - الشيعي   (بازدید: 4058)   (نویسنده: زكي الميلاد)
• إشكالية المرجعية في تقرير التنمية الإنسانية   (بازدید: 1214)   (نویسنده: خالد سليمان)
• آفتان في المتعصبين   (بازدید: 2170)   (نویسنده: الشيخ محمّد الغزالي)
• إنما المؤمنون إخوة   (بازدید: 1819)   (نویسنده: محمد حلمي عيسى باشا)
• أيها المسلمون.. ثقوا بأنفسكم دعوة لا تزال حيّة   (بازدید: 1639)   (نویسنده: عبدالمجيد سليم)
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة   (بازدید: 1023)   (نویسنده: أسعد السحمراني)
• الإمام علي بن أبي طالب والتقريب بين المذاهب   (بازدید: 1061)   (نویسنده: الدکتور عبدالمتعال الصعيدي)
• الانسجام الإسلامي   (بازدید: 1540)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• التحديات الراهنة كيف نواجهها   (بازدید: 843)   (نویسنده: الشيخ محمود محمدي عراقي)
• التشريع وكرامة الإنسان   (بازدید: 888)   (نویسنده: سيد موسى الصدر)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]