banner
مساحة «للتعارف» بين الإیرانيين و العرب
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
  کلمات   جمل   تعليقات      

بين المؤتلف و المختلف
رسالة التقريب - العدد ١٣
دراسات مقارنة
الشيخ واعظ زاده الخراساني
1417

واجهتُ خلال تجاربي الطويلة في حقل التقريب أن هناك من العلماء والمثقفين ومن عامة المتعلمين من يعيش هموم وحدة المسلمين ويعمل دائما على توحيد كلمتهم. ومثل هؤلاء - رغم اطلاعهم على وجود الاختلافات - لا يفكرون إلا في المشتركات الفكرية والعقائدية والفقهية بين المسلمين… بل ويعملون على البحث في كل مذهب في ما يقرّب هذه المذاهب ويوحد اتجاهاتها…
وهناك من يرى الأمور من زاوية خاصة لا ترى إلا الاختلاف، فهو مولع بتضخيم هذه الاختلافات وبالرد على الجانب الآخر. ولا يحس براحة إلا حينما يشن هجوما شديداً على خصمه «المسلم» ! ويرد عليه. يحس بشحنة من البغضاء في صدره لا يهدأ إلا عندما يفرغ هذه الشحنة.
أتلك وهذه من طبائع الأفراد، أم هما نتيجة تربية فكرية ونفسية خاصة؟ ّ هذا مالا أريد أن أتعرض له ولكن أريد أن أوجه دعوة إلى كل المخلصين القادرين على أن يكيّفوا أنفسهم وفق ما تقتضيه مصلحة الإسلام والمسلمين ومصلحة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وتتلخص هذه الدعوة في عدم إثارة موضوع عدالة الصحابة وموضوع عصمة أهل البيت في الحوار التقريبي بين أهل السنة والشيعة.
تجاربي تدل على عدم جدوى طرح هاتين المسألتين لأنهما تستندان إلى خلفية تاريخية طويلة. وإثارتهما تثير ظلالاً من شكوك واتهامات نحن في غنى عنها.
عدالة الصحابة أصل قطعي ومسلم به عند أهل السنة لما يروونه من أحاديث بهذا الشأن، والتشكيك بعدالة كل الصحابة يوحي بأن المشكك يعادي الصحابة
[٧]
والعياذ بالله. ولقد حاول بعضهم أن يلصق هذه التهمة بالشيعة، والشيعة منها براء طبعا، لأنهم لا يشككون إلاّ في المنافقين، وقد ذمهم القرآن الكريم.
وعصمة الأئمة الأثني عشر اصل قطعي ومسلّم به عند الشيعة الإمامية والتشكيك به يوحي أيضاً بأن المشكك ناصبي والعياذ بالله يعادي أئمة أهل البيت.
وحاول بعضهم أن يلصق هذه التهمة بأهل السنة، وأهل السنة براء من ذلك.
طرح هاتين المسألتين - إذن - ليس فيه فائدة، بل ينطوي على أضرار أيضا. وأقترح طريقا آخر للحوار يؤدي إلى الوحدة والتقريب. والطريق يتلخص بما يلي:
المسلمون مجمعون على حجية القرآن وصيانته من التحريف، وهو أصل لا يقبل التشكيك. أما بالسنة للسنّة فمن الأولى أن لا نبحث في مصدرها وطريق الوصول إليها، بل نبحث في الروايات المشتركة الواصلة عن طرق كلا الفريقين، ونجعلها ملاك عملنا. وهذا ما نفعله في مركز الدراسات العلمية التابع للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية. يجد الباحث عندئذ أن ثمانين بالمائة من روايات الفريقين في التفسير والفقه والعقائد مشتركة. أما في المسائل الأخلاقية فتبلغ نسبة المشتركات مائة بالمائة. والفيض الكاشاني عمل على تحرير كتاب «أحياء العلوم» للغزالي في كتابه «المحجة البيضاء» ونقل إزاء كل الروايات المنقولة عن طرق أهل السنة روايات مشابهة عن أئمة أهل البيت.
على أي حال، الروايات المشتركة في اللفظ والمضمون كثيرة جدا بين أهل السنة والشيعة وهذه الروايات المشتركة إضافة إلى القرآن الكريم تستطيع أن تكون ملاك عملنا. وأما غير المشتركة فنعرضها على القرآن فما وافق القرآن أخذنا به وما خالفه أعرضنا عنه وهذا ما أمر به الإمام الصادق عليه السلام اتباعه في ما يصله عنه من الأحاديث، كما أنه يمكننا أن نعرضها على الروايات المشتركة فتكون هذه هي الأخرى بعد القرآن مرجعاً لنا جميعاً في غير المشتركات وفيما اختلفت الأُمة. ولنفترض أن الاختلاف بقي مع ذلك قائماً في بعض الروايات، ولم نستطع التوصل إلى اتفاق بشأنها، فهذا لا ضير فيه. يعمل كل فريق بروايته، والاختلاف يبقى قائما حتى داخل إطار المذهب الواحد ولا يضر وحدة المسلمين.
[٨]
وهنا أقول لكل أهل السنة، أن الشيعة - خلافا لما يشيعه المغرضون - يحترمون الصحابة ويجلّونهم ويتلون أذكار أئمتهم التي تدعو للصحابة وتترضى عنهم وتذكرهم بكل إعزاز وإكرام. من ذلك قول الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام.
اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحابة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفُوهُ [١] وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، وانتصروا به، ومن كانوا منطوين على محبته يرجون تجارة لن تبور [٢] في مودته، والذين هجرتهم العشائر إذا تعلقوا بعروته وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته.
فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا [٣] الخلق عليك وكانوا مع رسولك دعاة لك واليك واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه، ومن كثَّرت في إعزاز دينك من مظلومهم.
اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان، الذين] يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان [خير جزائك الذين قصدوا سمتهم [٤] وتحرَّوا [٥] وجهتهم، ومضوا على شاكلتهم [٦] لم يثنهم ريب في بصيرتهم، ولم يختلجهم [٧] شك في قفوِ [٨] آثارهم، والائتمام [٩] بهداية منارهم، مكانفين وموازرين [١٠] لهم، يدينون بدينهم، ويهتدون بهديهم، يتفقون عليهم، ولا يتهمونهم فيما أدَّوا إليهم.
اللهم وصل على التابعين من يومنا هذا إلى يوم الدين، وعلى أزواجهم، وعلى ذُرياتهم. وعلى من أطاعك منهم، صلاة تعصمهم بها من معصيتك، وتفسح لهم في رياض جنَّتك،
_____________________________
١ - كانفوه: أعانوه.
٢ - تبور: تكسد وتخسر.
٣ - حاشوا: جمعوا.
٤ - سمتهم: طريقتهم الحسنة.
٥ - تحروا: توخوا وقصدوا.
٧ - يختلجهم: يجتذبهم.
٨ - قفو: اتباع.
٩ - الإئتمام: الإقتداء.
١٠ - موازرين: مساعدين.
[٩]
وتمنعهم بها من كيد الشيطان، وتعينهم بها على ما استعانوك عليه من بٍّر، وتقيهم طوارق [١] الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير، وتبعثهم بها على اعتقاد حسن الرجاء لك، والطمع فيما عندك وترك التهمة فيما تحويه أيدي العباد، لتردهم إلى الرغبة إليك والرهبة منك، وتزهدهم في سعة العاجل وتحبب إليهم العمل للآجل، والاستعداد لما بعد الموت وتهون عليهم كل كرب يحل بهم يوم خروج الأنفس من أبدانها وتعافيهم مما تقع به الفتنة من محذوراتها، وكبَّة النار [٢] وطول الخلود فيها، وتصيرهم إلى أمن من مقيل [٣] المتقين» [٤].
وأقول للشيعة ما قلته مرارا:
إن أهل السنة لا يقلون حبا لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله من الشيعة، حتى البقية الباقية من الخوارج عدلت عن رأيها في أمير المؤمنين علي عليه السلام. طُرق الصوفية تنسب نفسها جميعا إلى علي. في السودان وجدت سبع طرق صوفية تعتقد كلها أن الفيض الإلهي يصلها عن طريق علي. المرحوم التفتازاني شيخ مشايخ الطرق الصوفية في مصر يقول: إن قول النبي صلى الله عليه وآله: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» يعني علم الطريقة الذي وصلنا عن علي وأهل بيته.
القاهرة اليوم لا تقل تشيعا عن طهران. فيها من المراقد المقدسة لأهل البيت وفيها من الملتفين حول هذه المراقد ما يثير الدهشة. المصريون يحتفلون بمولد الإمام الحسين وبمولد السيدة زينب احتفالات شعبية عظيمة. ومن هنا فمن شكك منهم في عصمة الأئمة فلا يعني ذلك عدم ولائهم لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله.
ليفهم بعضنا بعضا بمعزل عن الحساسيات التاريخية، ولنعمل لتركيز مساحات الاتفاق. فهو واجب شرعي يقتضيه أمر الله سبحانه بالوحدة والاعتصام بحبله ونبذ التفرق والاختلاف. والسلام على جميع إخواننا المؤمنين.
_____________________________
١ - طوارق: ما يأتي على غفلة.
٣ - المقيل: موضع الاستراحة.
٤ - الصحيفة السجادية / ٢٦ - ٢٩، الدعاء الرابع، بيروت ط النعمان.

مقالات أخرى من هذا الكاتب
• أثر القرآن على الحركة الفكرية و النهضة العلمية و الحضارة الإنسانية   (بازدید: 1558)   (موضوع: قرآن)
• أُسس التقريب وسبله   (بازدید: 689)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• ابن رشد الفقيه المالكي و الفقه المقارن   (بازدید: 2447)   (موضوع: شخصيات)
• استثمار موارد الأوقاف (الأحباس)   (بازدید: 1437)   (موضوع: فقه)
• الإسلام و الأقوام و الملل   (بازدید: 892)   (موضوع: فكر إسلامي)
• الاجتهاد عند الشيعة الإمامية مصادره و ضوابطه   (بازدید: 2915)   (موضوع: فقه)
• الاهتمام بأمور المسلمين فريضة   (بازدید: 2452)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• السيد البروجردي و التقريب   (بازدید: 759)   (موضوع: شخصيات)
• السير في الارض عند المسلمين - ابن بطوطة في إيران نموذجا   (بازدید: 1180)   (موضوع: العالم الإسلامي)
• السيرة و السنة و مصدرهما   (بازدید: 744)   (موضوع: سُنة)
• السيرة و السنّة و مصدرهما   (بازدید: 641)   (موضوع: سُنة)
• الفرق بين الحق و الحكم في الفقه الإمامي   (بازدید: 739)   (موضوع: فقه)
• الفقه المقارن و التقريب   (بازدید: 1409)   (موضوع: فقه)
• المراكز الحضارية في العراق و دورها التقريبي بين المذاهب الإسلاميّة   (بازدید: 855)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• المنهج الفقهي والاصولي لآية اللّه البروجردي   (بازدید: 1218)   (موضوع: فقه)
• الوحدة الإسلاميّة معالمها و أعلامها   (بازدید: 1191)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• الوحدة الاسلامية عناصرها و موانعها   (بازدید: 749)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• الوحدة الاسلامية عناصرها وموانعها - ١ -   (بازدید: 1427)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• حديث الثقلين   (بازدید: 834)   (موضوع: سُنة)
• حول كتاب كنز العرفان في فقه القرآن (1)   (بازدید: 2323)   (موضوع: فقه)
• رسالتان بين واعظ زاده و بن باز، مفتي عام المملكة العربية السعودية و رئيس هيئة كبار العلماء و ادارة البحوث العلمية والافتاء   (بازدید: 1193)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• صحيح البخاري و سائر الصحاح الستة   (بازدید: 2253)   (موضوع: سُنة)
• في العمل الاسلامي المشترك   (بازدید: 1354)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• مجمع البيان نموذج التفسير التقريبي   (بازدید: 1617)   (موضوع: قرآن)
• مستقبل العالم الاسلامي   (بازدید: 692)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• من مشاهد التقريب بين المذاهب الإسلاميّة في التاريخ   (بازدید: 746)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)
• مناقشة بحث الدكتور الخياط   (بازدید: 882)   (موضوع: فقه)
• نقد لمقال «الحديث عند الشيعة الإمامية»   (بازدید: 852)   (موضوع: سُنة)
• وحدة الامة الاسلامية   (بازدید: 727)   (موضوع: الوحدة الإسلامية)

مقالات أخرى من هذا الموضوع
• حجية المفاهيم عند المذاهب الاسلامية   (بازدید: 750)   (نویسنده: ماجد سعيد)
• التقريب بين مراتب الادلة في الاجتهاد   (بازدید: 1279)   (نویسنده: محمد علي التسخيري)
• دراسة مقارنة في المصطلحات   (بازدید: 1623)   (نویسنده: الشيخ احمد المبلغي)
• القضاء الإسلامي و أثره في حركة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة   (بازدید: 964)   (نویسنده: محمّد جواد الطريحي)
• مع مصطلح «الإنابة»   (بازدید: 1352)   (نویسنده: الشيخ محمّد علي الساعدي)
• التقريب بين المذاهب الإسلاميّة الكلامية   (بازدید: 934)   (نویسنده: الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح)
• التقريب بين المصطلحات الأصولية   (بازدید: 1381)   (نویسنده: الشيخ احمد المبلغي)
• حول كليات الأحوال الشخصية المتفق عليها بين المذاهب الإسلاميّة   (بازدید: 614)   (نویسنده: الشيخ جعفر السبحاني)
• دراسة في المنهج لعلم الكلام المقارن   (بازدید: 1832)   (نویسنده: الشيخ عباس علي البراتي)
• دليل العقل عند المذاهب الإسلاميّة   (بازدید: 947)   (نویسنده: محمّد الغراوي)
• مع مصطلح الفطرة قسم الدراسات و البحوث في المجمع العالمي للتقريب - قم   (بازدید: 1426)   (نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• نحو وضع قانون موحد للمعاملات المالية بين المذاهب الإسلاميّة   (بازدید: 1007)   (نویسنده: الدكتور إدريس العلوي)
• نظرية الثورة عند المذاهب الإسلاميّة   (بازدید: 1332)   (نویسنده: السيد صدر الدين القبانچي)
• حجية الاستحسان عند المذاهب الإسلاميّة   (بازدید: 2558)   (نویسنده: الشيخ سامي الغريري)
• مسألة التحسين و التقبيح في المذاهب الإسلاميّة   (بازدید: 1171)   (نویسنده: الشيخ نوري حاتم)
• مسالة البداء في ضوء إفادات معلم الأمة الشيخ المفيد   (بازدید: 692)   (نویسنده: السيد سعيد اختر الرضوي)

التعليقات
الاسم:
البريد الالکتروني:
العنوان:
التعليق:
ثبت
[ Web design by Abadis ]