الصهيوأميركية وضرورة مواجهتها
|
ثقافتنا - العدد 14
فلسطين
أسعد السحمراني
1428
تمهيـد: إن الحديث عن البعد الديني في نشأة الحركة الصهيونية، ومن ثم في دوافع اغتصاب العدو الإسرائيلي لفلسطين، ولأراضٍ عربية أخرى في إطار الأطماع التوسعية، بعدٌ بيِّنٌ في كل فكرة، وموقف، وممارسة، ولم يكن الفكر أو الممارسة عند العدو الإسرائيلي يوماً خارج الإطار الديني. ومنذ أكثر من عقدين من الزمن تحديداً مع بداية عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان بدأ الموقف الأمريكي- الإسرائيلي يظهر كموقف واحد في بعده الديني حيث التقت الصهيونية العنصرية اليهودية مع الصهيونية الأمريكية غير اليهودية أو ما بات يُعرف باسم: الصهيونية المسيحية. وإذا كانت الصهيونية قد نشأت في أوروبا الغربية أواخر القرن التاسع عشر للميلاد، وكانت يومها حاجة أوروبية استعمارية لجهة اغتصاب فلسطين في قلب الأمة العربية والعالم الإسلامي، ولجهة التخلص من الأحياء اليهودية (الغيتو) في مدن أوروبا، ومن جهة أخرى وجد تيودور هرتزل وسائر مؤسسي الصهيونية في هذا الاحتضان الأوروبي ما يحقق لهم مصالحهم، ومزاعمهم التي نبعت من فكرهم الديني بمصدريْه: العهد القديم والتلمود. وبسبب ذلك تحدث كثيرون عن هذا التوافق المصلحي الصهيوني الأوروبي على أنه صهيوصليبية، وكانوا يقصدون بذلك التذكير بحروب الفرنجة على أمتنا التي أسميت فيما بعد بالحروب الصليبية. فإنه انطلاقاً من ذلك نقترح أن نسمّي المشروع الاستعماري الذي يعطيه الأمريكان اسم العولمة أو النظام العالمي الجديد، والذي تعتمد له القيادة الأميركية العدو الإسرائيلي في المنطقة، الصهيوأميركية حتى لا يبقى في حسابات أحد أن الأمريكي يقف جانباً أو يمارس دوراً سلمياً، والحقيقة أنه يقود مشروعاً استعمارياً هو كما قال جورج بوش في الوثيقة التي قدّمها إلى الكونغرس في ٢0/٩/٢00٢باسم: استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية؛ وهي كما يزعم: "عالمية أمريكية تعكس اتحاد قيم الولايات المتحدة الأمريكية وتحقق مصالحها". الصهيونية عنصرية ببعد ديني يهودي: إن الحركة الصهيونية حركة عنصرية توسعية الأهداف وقد أسهم في تكوينها بُعد فكري ديني ينبع من صميم النصوص التي يزعم الصهاينة بأنها مقدسة مع العلم أنها من صياغتهم، كما يقرون وعبر مراحل تاريخية متعددة، وفي المشروع الصهيوني يلتقي الديني بالسياسي، ولذلك لا يمكن الفصل بينهما لا بل لم تكن الصهيونية لتوجد لولا هذه النصوص التي تربّى عليها معتنقو اليهودية وقد كان مصيباً من قال: "إن الصهيونية في التلمود ليست أكثر منها في التوراة، والصورة التي يرسمها الربانيون لحدود فلسطين، بعد أن تتحول إلى أرض إسرائيل في العصر المسيائي، تجد مثيلاتها في أسفار العهد القديم... فالتوسع موجود في التلمود وغير التلمود والبواعث دينية في جوهرها" (1) . إن الأطماع الصهيونية بفلسطين تنطلق من الزعم الذي أورده كتّاب العهد القديم، والذي يحمل ادّعاء بأن وعداً قُطِع من الرب لابراهيم يدلّ على ذلك. والنص الذي يحمل هذا الزعم هو: "وأعطيك أرض غربتك لك ولنسلك من بعدك جميع أرض كنعان ملكاً مؤبداً وأكون لهم إلها"(2) . وفي نص آخر: "في ذلك اليوم بت الرب مع ابراهيم عهداً قائلاً: "لنسلك نعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات"(3) . إن هذه المزاعم ينطلق منها مشروع الاغتصاب الإسرائيلي علماً أن ما نصت عليه أيديهم يفيد بأن الوعد المزعوم هو لنسل ابراهيم ويهود العالم ليسوا من هذا النسل بل هم وكما يقرّ أكثر من مؤرخ ومرجع يهودي معاصر وبنسبة ٩٢% من بلاد الخزر؛ أي من منطقة بحر قزوين التي تهوّد أغلب سكانها مع ملكهم بولان في القرن الثامن الميلادي. (4) . ونصوصهم الدينية أعطتهم ما يقودهم إلى التوسع والعدوان والاغتصاب، وكل ذلك على حساب غيرهم لأن مزاعم السامية لا تصمد أمام التحقيق والبحث وبالتالي فإن يهود العالم لا تربطهم أية صلة مع فلسطين المحتلة فهم كما سبق في غالبيتهم الساحقة من يهود بحر الخزر وما تبقى منهم موزعين على كل قوميات وجنسيات العالم وبذلك تتهافت مزاعمهم بما يسمونه: أرض الميعاد. وممن كتبوا بهذا الصدد يهودي أمريكي هو بنيامين فريدمان، وبحثه تحت عنوان: "يهود اليوم ليسوا يهوداً" من منشورات دار النفائس ببيروت. وقد بيّن هذا الباحث اليهودي بأن يهود اليوم ليسوا ساميين. (5) . إن نصوصهم تخدم فكرهم التوسعي لجهة اغتصاب الأرض لطرد شعبها منها ولا يتورّعون عن ذكر ذلك حيث يقولون: "وإن لم تطردوا أهل الأرض من وجهكم كان من تبقونه منهم كإبرة في عيونكم وكحربة في جنوبكم يضايقونكم في الأرض التي أنتم مقيمون بها"(6) . في هذا النص يظهر عدوانهم حيث يبيّنون بأنهم يريدون أرضاً بلا شعب، وهذا يفسر لنا ما قاموا ويقومون به في الأرض المحتلة، رغم أن النص يقرّ بأن من سيطردونه هم أهل الأرض المغتصبة. ولعل ذلك يكون مبرراً عندهم انطلاقاً من عنصريتهم القائمة على مقولة الشعب المختار، وهذا يلمسه المراجع لنصوص العهد ا لقديم في أكثر من موقع منها النص التالي: "وإذ أدخلك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لترثها وطرد أمامك أمماً كثيرة، الحثيين والجرجاشيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين، سبع أمم أكثر وأقوى منك، وأسلمهم الرب إلهك بين يدك، وضربتهم، فحرّمهم تحريماً. لا تقطع معهم عهداً ولا ترأف بهم، ولا تصاهرهم، ولا تعطِ ابنتك لابنه، ولا تأخذ ابنته لابنك... لأنك شعب مقدس للرب إلهك، وإياك اختار الرب إلهك لتكون له شعب خاصته من جميع الشعوب التي على وجه الأرض"(7) . أما التعاطي مع الشعوب التي يدخلون أرضها فإنه يقوم على نظرية الإبادة والتدمير واستباحة كل شيء، وقد أوردت نصوصاً عديدة في العهد القديم وفي التلمود توجههم إلى مثل هذا الإجرام، وكل ذلك يزعمون أنه من الدين ليبرروا أفعالهم الشنيعة به. من هذه النصوص التي تبرر الإجرام هذا النص: "وعاد يشوع في ذلك الوقت فاستولى على حاصور وقتل ملكها بالسيف، لأن حاصور كانت قديماً رأس جميع تلك الممالك. وضربوا كل نفس فيها بحد السيف محرمين إياه، ولم تبقِ نسمة، وأحرق حاصور بالنار. واستولى يشوع على جميع مدن أولئك الملوك مع مدنها، وضربهم بحد السيف، وحرّمهم كما أمر موسى عبد الرب. فأما المدن الواقعة على تلالها، فلم يحرقها إسرائيل بالنار، إلا إسرائيل وحدها فأحرقها يشوع. وجميع غنائم تلك المدن وبهائمها، اغتنمها بنو إسرائيل لأنفسهم، وأما البشر فضربوهم بحد السيف حتى أبادوهم ولم يُبقوا نسمة"(8). وأما نصوص التلمود فتحكمها الروحية نفسها روحية القتل وسفك الدماء، ومما جاء في التلمود: "أقتل الصالح من غير الإسرائيليين... وإذا وجد أحد يهود أممياً (غير يهودي) وقع في حفرة فعليه ألا يخرجه منها، حتى لو وجد سلماً يمكن للكافر أن يخرج بواسطته، فالواجب عليه في هذه الحالة نزع السلم". وقد عبر أكثر من واحد من الصهاينة في المواقف والممارسات عن مثل هذه المخزونات النفسية العنصرية المجرمة، ونذكر على سبيل المثال شاؤول تشارنحوفسكي (۱٨٧٥م- ۱٩٤٣م) وهو طبيب وشاعر من أصل روسي درس في ألمانيا وسويسرا وهاجر إلى فلسطين المحتلة عام ۱٩٣۱م، ومما قاله في إحدى قصائده: يا سيفي أين سيفي، سيفيَ المنتقم؟ أعطني سيفي لأنتصر على أعدائي أين أعدائي؟ فسوف أصرعهم وأحطمهم وأقطعهم إرباً وسوف أوقف من الناس الذكرى، سوف أقطع كالحاصد وأجتز جذورهم. سوف أشهر يدي اليمنى القوية، وأوبخ أعدائي وأجعل سيفي يشرب فخوراً من دمهم وستستحم خطواتي في دماء الصرعى وتدوس قدماي على شعر رؤوسهم. هذا شعر لطبيب مات قبل أن يشهد ولادة الكيان الغاصب، وفي هذا الشعر يفصح عن دفائن النفس اليهودية التي تحوي أقصى ما تختزنه نفس إنسان من العنصرية والحقد والكراهية للآخرين ونزعة سفك الدماء والإجرام. وهذا كله مبررٌ دينياً حيث يعتبر الحاخامات بأن طهارة السلاح تقتضي أن يقتلوا كل من يجدونه أمامهم من المدنيين خوف أن يقاتلهم في المستقبل ومما كان عندهم في هذا الباب ما جاء في مراسلة بين جندي يدعى موشي وحاخام اسمه شيمون ويسير حيث كان التعقيب التالي: "في زمن الحرب ليس جائزاً فقط بل ومفروض عليّ أن أقتل أي عربي رجلاً كان أم امرأة ألاقيه بمحض الصدفة، إن كان هنالك سبب يدعو للخوف من أنه يساهم في الحرب ضدنا بشكل مباشر أو غير مباشر، وبمقدار ما يتعلق الأمر بي شخصياً فعليّ أن أقتله حتى لو أدى ذلك في تورطي في محكمة عسكرية. وأنني أعتقد بأن هذا الأمر المتعلق بطهارة السلاح يجب نقله إلى المؤسسات الثقافية الدينية منها على الأقل كي يتخذ المسؤولون موقفاً من هذا الموضوع وكي لا يهيموا على غير هدى في ميادين المنطق العريضة، ولا سيما حول هذا الموضوع"(9). وهناك موقف آخر مماثل طرحه الضابط الحاخام آفيدان من قيادة المنطقة الوسطى (الضفة الغربية) في حرب ۱٩٧٣م، وقد قال آفيدان: "حين تصادف قواتنا مدنيين في حرب ما أو في مطاردة أو غارة، فما دامت هذه القوات غير متأكدة من أن أولئك عاجزون عن إيذاء قواتنا، لذلك بناء على الشرع اليهودي يجوز قتلهم بل يجب قتلهم. ولا بحال من الأحوال تجدر الثقة بإنسان عربي، حتى لو أعطى الانطباع بأنه متحضر. فوقت الحرب، حين تنقض قواتنا على العدو، فإن الشرع اليهـودي يبيح لها، بل ويأمرها بقتل حتى المدنيين الفاضلين"(10) . وإذا تتبعنا الفكر أو الممارسة عند الصهاينة حتى يومنا هذا فإننا نجد ما يصدر منهم مثقلاً بنزعة الإجرام والعنف وبرغبة ملحة بلعق الدماء، من هذا القبيل كانت عظة الحاخام عوفاديا يوسف الزعيم الروحي لحزب شاس المتطرف بمناسبة الفصح اليهودي في نيسان/أبريل من العام ٢000 حيث قال متحدثاً عن العرب: يجب أن لا نرأف بهم، ولا بد من قصفهم بالصواريخ وإبادة هؤلاء الأشرار والملاعين. إن الاغتصاب والغزو الصهيوني وسياسة التوسع والعدوان قامت ولا تزال على التجنيد لكل المواطنين بحيث يصح القول: إن مجتمع العدو الإسرائيلي مجتمع عسكري في أساسه، والحواشي فيه أو الهوامش هم المدنيون. ولقد "تأسست أول منظمة هي الحارس (هاشومار) في العام ۱٩0٩. وتتابع بعد ذلك تأسيس المنظمات مثل فرقة البغالة الصهيونية (۱٩۱٥)، الفيلق اليهودي (۱٩۱٥- ۱٩۱٦)، والهاغاناه (۱٩٢۱)، والبيتار (۱٩٢٣)، والإرغـون(۱٩٣۱)، وشتيرن (۱٩٣٧)، واللواء اليهودي (۱٩٣٩- ۱٩٤٥)، والجدناع (۱٩٣٩)، والبالماخ (۱٩٤۱). وقد انحل قسم من هذه المنظمات واندمج بعض منها بالآخر، وكانت الهاغاناه هي المنظمة العسكرية الأولى التي ضمت إليها عدة منظمات وسيطرت مع ذراعها الضاربة البالماخ على الجانب العسكري على الغزوة الصهيونية، وعدت جيش الوكالة اليهودية ثم تحولت فيما بعد إلى جيش الدفاع الإسرائيلي"(11) . ونستطيع أن نجمل ركائز مشروع الاحتلال الإسرائيلي بالأمور التالية: "۱- القوة العسكرية المتفوقة سلاحياً وتقنياً وإعداداً. ٢- الارتباط الاستراتيجي بالولايات المتحدة الأمريكية. ٣- استراتيجية الردع. ٤- منع البلدان العربية من امتلاك السلاح النووي أو أي سلاح ذي تدمير شامل. ٥- الحدود الآمنة والحدود القابلة للدفاع عنها." (12) إن الأطماع الصهيونية غير محددة وكلها يوجدون لها مبررات من فكرهم الديني، وأي وقف للتوسع أو انسحاب تكتيكي من قبل القيادات السياسية أو العسكرية تعدّه قياداتهم الدينية مخالفة. ولأن الأمم المتحدة قبلت عضوية الكيان الغاصب الإسرائيلي بدون أن يقدم خريطة وحدوداً جغرافية فإن ذلك كان تواطؤاً أوروبياً وهو اليوم امريكياً مع العدو، فما هي صورة الأطماع الآن؟ "إن قيد التداول الآن عدداً من النسخ المتناقضة عن الحدود التوراتية لأرض إسرائيل التي تؤولها السلطات الحاخامية بأنها الصورة المثلى للأرض التي تعود ملكيتها للدولة اليهودية وأوسع النسخ حدوداً هي تلك النسخة التي تتضمن حدودها المناطق التالية: جنوباً كل سيناء وقسم من شمال مصر وصولاً إلى ضواحي القاهرة وشرقاً الأردن برمته وحيز كبير من العربية السعودية علاوة على الكويت وقسم من العراق جنوب الفرات وأما شمالاً فتشتمل تلك الحدود كل لبنان وكل سورية فضلاً عن قسم هائل من تركيا (وصولاً إلى بحيرة فان) وغرباً جزيرة قبرص"(13) . هذا التفسير للحدود التوراتية يظهر لنا الأطماع الإسرائيلية التي تتوافق مع النزعة الأمريكية للتسلط على مواطن الثروة وعلى الموقع الاستراتيجي من خلال أداة هي الصهيونية والعدو الإسرائيلي. وقد استخدم الصهيوني القدس والهيكل المزعوم نقطة جذب دينية في منظومة أطماعه ولا يزال يعتمد ذلك رغم يقين الجميع بأن القدس كنعانية عربية منذ نشأتها قبل ما يزيد على ستة آلاف سنة، وأنها تحوي مواقع مقدسة لدى المسيحيين والمسلمين، وأنه لا وجود ليهود فيها، ولا مقدس لهم فيها. ويهود يسلمون بهوية القدس التي لا صلة لهم بها حيث ورد في نصوصهم: "وكانت إليّ كلمة الرب قائلاً: يا ابن البشر أخبر أورشليم بأرجاسها، وقل هكذا قال السيد الرب لأورشليم معدنك ومولدك من أرض الكنعانيين وأبوك أموري وأمك حثية"(14) . لكن رغم هذا الإقرار نجد تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية قد قال في المؤتمر الأول للحركة، وذلك في أواخر شهر آب/أغسطس ۱٨٩٧ في مدينة بال السويسرية ما يلي: "إذا حصلنا على القدس وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدي يهود فيها وسوف أدمر الآثار التي مرت عليها القرون". إن هذا الكلام شكل دافعاً دينياً للصهاينة كي يعملوا من أجل تهويد المدينة المقدسة من خلال إعلانها عاصمة لكيانهم الغاصب في العام ١۹٨0، ومن خلال مصادرة الممتلكات فيها، وإقامة المستوطنات (المغتصبات) لتهويدها سكانياً وجغرافياً، ومن ناحية أخرى عملوا ولا يزالون لتدمير وتخريب الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فيها خاصة المسجد الأقصى حيث يزعمون بأنهم سيقيمون الهيكل المزعوم على أنقاضه علماً أن التنقيب المتواصل الذي قاموا به منذ العام ۱٩٦٧ حتى يومنا هذا لم يُجدِ في إمكانية العثور على أي دليل على وجود هيكل أو معبد ليهود في ربوع المدينة المقدسة. وقد صدر تقرير عن مجموعة علماء آثار يهود بهذا الخصوص وأقروا بأن داود لم يبنِ مدينة ولا وجود لهيكل أو آثار تدل عليه، وكان هؤلاء مكلفين من قبل وزارة الأديان الإسرائيلية بمهمتهم منهم: جدعون أفني، وروني رايخ، ويائير زاكوباتش، وزئيف هرتسوغ، وتوفيا ساجيف. وقد وصل إلى النتيجة ذاتها عالم الآثار اليهودي مائير بن دوف ونشر تقريراً بهذا المعنى في ٢٣/١/٢00۱؛ وكذلك عالم الآثار اليهودي إسرائيل فنكلشطاين في العام نفسه وسواهم كثير. وبعد كل هذا نجد داعية السلام المزعوم في مدريد شمعون بيريز يتمسك بتهويد القدس ككل الصهاينة فيقول: "وفي الوقت الحاضر الذي نصرّ فيه على الحفاظ على وضع القدس كمدينة موحدة تحت السيادة الإسرائيلية، فإن إسرائيل تتفهم تماماً أهمية المدينة المقدسة لدى المسيحيين والمسلمين وكذلك يهود. هناك إجماع عام في إسرائيل بضرورة إبقاء القدس تحت السيطرة الإسرائيلية"(15) . هذا الكلام مع الإجراءات ضد المدينة تدلل على حقيقة الفكر والممارسة عند الصهاينة. ولم يكتفِ العدو الإسرائيلي بهذا بل مارس التخريب والعدوان على المقدسات المسيحية والإسلامية من المسجد الأقصى إلى كنيسة القيامة وما بينهما، كما مارس السجن أو الإبعاد على عدد من الرموز الدينية في المدينة كان آخرها في الأشهر الأخيرة اعتقال كل من الأب الدكتور عطا الله حنا والمفتي الشيخ عكرمة صبري في القدس. إن البعد الديني في الفكر والممارسة عند الصهاينة ليس ضد المقدسيين والفلسطينيين أو العرب وإنما هي ضد كل الناس انطلاقاً من عنصرية تقوم على نظرية "الشعب المختار" كما يزعمون. وقد أشار إلى ذلك إسرائيل شاحاك حيث قال: "فالتمييز الإسرائيلي ليس ضد العرب فقط، أو ضد الفلسطينيين فقط، كما يفترض خطأ (خاصة عند العرب) خارج إسرائيل (فلسطين المحتلة)، بل ضد كل من هو غير يهودي، بما في ذلك أفضل أصدقاء إسرائيل من غير يهود. يستنتج ذلك من التوجه الرسمي الذي تحاول إسرائيل غرسه بين جميع مواطنيها يهود من أنه يجب على إسرائيل أن تعتبر حتى جميع أصدقاء إسرائيل من غير يهود أعداء محتملين، ويستتبع هذا الموقف الأيديولوجي نتيجة سياسية؛ ففي السياسات الإسرائيلية عداوة مستترة (وفي بعض الأحيان غير مستترة تماماً) نحو حلفائها الحاليين... وتمارس التمييز العنصري كمبدأ ثابت ضد جميع من هم غير يهود، فهيمنة تمارسها دولة من هذا النوع تهدف لمنفعة يهود فقط يجب أن تكون أشد من أي هيمنة تمارسها الامبراطوريات العادية"(16) . هذا هو العدو الإسرائيلي، إنه عنصري النزعة، عدواني المنهج، توسعي امبراطوري السياسة، لا عهد عنده، ولا ذمة، وكل ذلك يستحضر له متكأ من الدين. الصهيونية غير اليهودية الأمريكية: ارتفعت هذه الأيام اللهجة بشأن البعد الصهيوني الذي تلتزمه القيادة السياسية والعسكرية والدينية الحالية برئاسة جورج بوش في الولايات المتحدة الأمريكية. وتحمل وسائل الإعلام كما يتحدث المهتمون عن انتماء لبوش وأعوانه فيسمونه تارة اليمين المسيحي، وتارة الأصولية المسيحية، وأخرى الصهيونية المسيحية، ومرة الصهيونية غير اليهودية؛ ولأن هذا التيار السياسي- الديني ملتزم الفكر العدواني الاستعلائي التوسعي الصهيوني بأوسع ما فيه فإنني أقترح أن نركز في استخدام المصطلح على القول بأنه تيار الصهيونية غير اليهودية فذلك أكثر دقة. لأن النصوص العبرية في العهد القديم بمعظمه وفي كل التلمود مشبعة بمزاعم الشعب المختار، وبأوامر القتل والإجرام والإبـادة مع الاستهتار بكـل ما لسوى المنتمين إليهـم فإن الصحيـح يكون أن نقول: هناك صهيونية من نوعين: ١- صهيونية يهودية. ٢- صهيونية غير يهودية يلتقي تحت مظلتها كل المتبنين لهذا الفكر ولهذه الأطماع من غير يهود وفي مقدمهم بوش وأعوانه وتيارهم. وسبب التأكيد على استخدام هذا المصطلح هو منع ما يحصل من التباس عند مستمع أو قارئ من غير العارفين، وعندها قد يظن أن المسيحية أو المسيحيين على صلة بهذا التيار، والمعلوم أن عنصرية تيار الصهيونية غير اليهودية موجهة ضد الجميع، كما المشروع الأمريكي من خلال العولمة والصهينة، فهو مشروع موجه ضد كل الأمم والشعوب لا حليف عنده ولا صديق سوى العدو الإسرائيلي، والوقائع تؤكد ذلك. وتجدر الإشارة قبل متابعة عرض حالة الصهيونية غير اليهودية للولايات المتحدة الأمريكية أن أتباع هذا التيار موجودون في السلطة حول جورج بوش ويمثلون تياراً يقدّر ما بين أربعين إلى خمسين مليون نسمة، وبالتالي فإن بين الأمريكيين أعداداً كبيرة ممن لا يذهبون هذا المذهب، لا بل هناك معارضون يرون في تيار الصهيونية غير اليهودية الأمريكية التي يقودها بوش خطراً على الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الخطر يُحدق بالشعب وبالمصالح على حد سواء، ولذلك فإن مقاومة التهديدات الأمريكية والقيادة الأمريكية والتيار الموالي لها لا يعني على الإطلاق أن أمتنا تضمر عداء لكل أمريكي، فالمعلوم أن بين الأمريكان من هم مغلوبون على أمرهم، ومنهم من يقاومون ويعارضون النهج السائد المتصهين. إن العودة إلى التاريخ، وإلى عملية غزو القارة من قبل الأوروبيين بعد اكتشافها تبين بأن فريقاً من المتشددين البروتستانت الذين نعتوا بالأصولية وعرفوا Puritans (التطهريين) هم الذين شكلوا طليعة الغزاة التي مارست الإبادة للهنود الحمر وهذا الفريق كان مشبعاً بالثقافة العنصرية المستمدة من الأدب العبري – خصوصاً العهد القديم-، ومن هذه الأفكار الدينية كانت مفاهيمهم العنصرية الإجرامية، وقد ذكر نعوم تشومسكي في هذا الموضوع ما يلي: "فعندما جاء المستعمرون من إسبانيا وانكلترا وهولندا وغيرها إلى همسفير، فإنهم وجدوا مجتمعات مزدهرة. فالاكتشافات الحالية للآثار البشرية تشير إلى أن عدد السكان الأصليين في غرب همسفير يمكن أن يكون تعدادهم قد قارب من مئة مليون نسمة، وربما كان يوجد حوالي 80 مليون نسمة في شمال ريوجراند، وإثنا عشر مليوناً أو ما شابه ذلك إلى شمال النهر (نهر الميسيسيبي). فخلال حوالي شهر، فإن أولئك السكان قد أُبيدوا. فلنأخذ مثلاً منطقة شمال ريوجراند، حيث كان يوجد هناك من عشرة إلى اثني عشر مليوناً من السكان الأصليين الأمريكيين، ومن عام ۱٩00 فإنه لم يبقَ سوى مائتي ألف نسمة منهم فقط. أما في منطقتي الأندين ومكسيكو فإنه كانت هناك مجتمعات هندية كثيفة، إلا أن معظمها قد اختفى. فمعظمهم قد قتلوا أو أُبيدوا تماماً، وآخرون هلكوا نتيجة للأمراض الأوروبية، التي جاء بها المستعمرون. فإنها إذن إبادة جماعية، حدثت قبل وقت طويل من نشوء دولة القرن العشرين. فربما تكون واحدة من أكبر حروب الإبادة، إذا لم تكن أعظمها في التاريخ البشري"(17) . إن هذا المسلك الإبادي الأمريكي دفع إلى التوحّد مع الفعل الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، وضد العرب وتالياً ضد كل من هو غير يهودي، ولذلك لا يرى الأمريكي المتصهين ثمة إشكالاً في ما يمارس من تهجير وتدمير وعنف وإجرام إسرائيلي لأنه مارس ذلك من قبل. وقد ظهرت الاتجاهات الصهيونية المتعاطفة مع يهود في وقت مبكر في الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك في بريطانيا، وقد استطاع الدكتور يوسف الحسن رصد هذه الاتجاهات ومما جاء عنده: "وفي عام ١٨٦٦ قاد القس آدم أكثر من ۱٥0 رجل دين مسيحي من ولاية ماين (Maine) للاستيطان في فلسطين. ويعتبر الرئيس الأمريكي جون آدامز (۱٧٦٧- ۱٨٤٨) أول رئيس أمريكي يدعو إلى استعادة اليهود وطنهم وإقامة حكومة مستقلة. وقد كتب رسالة إلى الصحفي الصهيوني مانويل نوح عام ۱٨۱٨ يقول فيها: أتمنى أن أرى ثانية أمة يهودية مستقلة في يهودا. ولم تتوقف الصهيونية غير اليهودية عند حدود الدعوات والمواعظ والتبشير بعودة اليهود إلى فلسطين، وإقامة وطن قومي لهم فيها، بل شاركت في تأسيس المستوطنات اليهودية الأولى في فلسطين. ويذكر بيتر غروز أن سبعين أمريكياً قد ساهموا في إقامة مستوطنة يهودية عام 1868"(18) . وإذا أردنا تتبع نمو التيار الصهيوني للولايات المتحدة الأمريكية فإننا نجد من رموزه وليم بلاكستون (۱٨٤۱- ۱٩٣٥) وقد نشر سنة ۱٨٧٨ كتاباً عنوانه: "عيسى قادم"، وكذلك أسس سنة ۱٨٨٧ في شيكاغو منظمة تعرف باسم: "البعثة العبرية نيابة عن إسرائيل" وقد أصبح اسمها حالياً: "الزمالة اليسوعية الأمريكية"؛ وبذلك يكون بلاكستون من أوائل مؤسسي جماعة ضغط منظمة تعمل لصالح الصهيونية. "ويعتبر الرئيس الأمريكي ولسون أحد الرؤساء الأكثر تأثراً بالصهيونية منذ طفولته. فقد نشأ في بيئة دينية إذ كان ابن أحد رجال الكنيسة الانجيلية المسيحية وبدأ، من خلال بعض خطبه، يرى نفسه أنه قد أُعطِي الفرصة التاريخية لخدمة رغبة الرب بتحقيقه البرنامج الصهيوني، وأنه يجب على ابن راعي الكنيسة أن يكون قادراً على المساعدة لإعادة الأرض المقدسة (حسب زعمهم) إلى شعبها اليهودي"(19) . وبعد هذا التاريخ توالت المنظمات التي تشكلت من رحم البروتستانتية وهي التي ينتمي إليها الأنغلوساكسون البيض، وكانت جهودهم بعد الحرب العالمية الثانية واغتصاب فلسطين من قبل الصهاينة منصبة على دعم هذا الاغتصاب تحقيقاً لمصالح سياسة أمريكية وانطلاقاً من فكر ديني، وتتلخص الأهداف المأمولة من قبلهم بما يلي: "أ- تاكيد شرعية دولة إسرائيل على أساس أنها جاءت تحقيقاً للنبوءة التوراتية. ب- تأكيد حق إسرائيل في أرض (Eretz) إسرائيل بما فيها الضفة الغربية أو غزة. ج- طمأنة إسرائيل على أن الانجيليين الأصوليين ملتزمون بالعمل في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل أمن إسرائيل. د- التأكيد على أن يهود هم شعب الله المختار، وأن الله بالتالي يبارك من يباركهم ويلعن لاعنيهم"(20) . وقد نما هذا البعد الديني مع العام ۱٩٨0 حيث تم انتخاب رونالد ريغان لرئاسة الجمهورية على أساس شعارات الصهيونية غير اليهودية وقد شهدت ولايتاه اهتماماً بالثقافة الدينية من خلال سوق مبيعات الكتب حيث بيع في عام ١٩٨٤ من الكتب الدينية بحوالي مليار دولار، وقد بدأ في عهده الاهتمام بالإعلام الديني الذي يسوّق لدعم الاغتصاب الإسرائيلي للأرض والمقدسات والحقوق العربية، ولمزاعم مفادها أن تجميع يهود العالم في فلسطين وما حولها واجب ديني يسبق العودة الثانية للمسيح، وعندها يتم تنصيرهم ويبدأ العهد الألفي السعيد الذي يعرف العالم من خلاله العدل والسلام وانتفاء الظلم والحروب بكل أشكاله. إن دعاة هذه الحقبة هم أنفسهم الذي يقودون هذه الأيام حملة عنصرية ضد المسلمين وضد العرب ويناصرون الإجرام الذي يمارسه شارون وجورج بوش، ووصلت العدوانية بهم إلى النيل علانية من النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء هم: جيري فالويل، وبات روبرتسون، وبيلي غراهام. إن قادة الصهيونية غير اليهودية يؤمنون بدعم العدو الإسرائيلي وبأن الوقوف ضد الاغتصاب الإسرائيلي هو وقوف ضد الله، وفي هذا الإطار تشترك الصهيونية غير اليهودية مع عدونا الإسرائيلي في جرائمه من خلال سعيها لتحقيق ثلاث إشارات يجب أن تسبق عودة المسيح حسب زعمهم وهي: "الإشارة الأولى؛ هي قيام صهيون (إسرائيل) وقد قامت إسرائيل في العام ۱٩٤٨، ولذلك اعتبر الصهيونيون المسيحيون في الولايات المتحدة هذا الحدث أعظم حدث في التاريخ الحديث لأنه جاء مصدقاً للنبوءة الدينية... الإشارة الثانية؛ هي تهويد مدينة القدس ولقد احتلت إسرائيل القدس في عام ۱٩٦٧ ويعتقد الانجيليون الصهيونيون أنها المدينة التي يمارس المسيح منها حكم العالم بعد قدومه الثاني المنتظر، ولذلك تضغط الكنائس الصهيونية في الولايات المتحدة من أجل الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل. (ولقد صدر مؤخراً في ٣٠/۹/٢00٢قانون الكونغرس الذي يلبي هذه الرغبة والذي قرر نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس)... الإشارة الثالثة؛ هي إعادة بناء هيكل سليمان (المزعوم وقد سبقت الإشارة إلى تقارير علماء الآثار من يهود أنفسهم التي تدحض المزاعم الصهيونية) على أنقاض المسجد الأقصى..." (21) . إن السياسة الأمريكية الحالية تقودها هذه الأفكار والخلفيات الدينية وإن عشرات آلاف المدارس الدينية تنشر هذه المفاهيم المستمدة من العهد القديم والتلمود ومما يقولـه الصهيوني غير اليهودي جيري فالويل: "إن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ليس من أجل مصلحة إسرائيل ولكن من أجل مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها". ويقول كذلك: "إن الوقوف ضد إسرائيل هو وقوف ضد الله". يضاف إلى هذا البعد الديني في الثقافة الأمريكية التي ولّدت جماعات داعمة للعدو، البعد المصلحي السياسي والاقتصادي، ويقول نعوم تشومسكي عن هذا الأمر: "إن المساعدة الأمريكية لإسرائيل مرتبطة بشكل وثيق بالمفهوم الأمريكي حول كيفية خدمة المصالح الأمريكية. وما تريده الولايات المتحدة من إسرائيل هو أن تصبح متقدمة من الناحية الفنية ودولة معسكرة دون أية استقلالية أو اقتصاد قابل للنمو، وتكون دولة يعتمد عليها: وهذا ما كان يطلق عليه حسب مبدأ نيكسون»(22) . وبعد سقوط الشاه في إيران أصبح العدو الإسرائيلي هو الحارس الوحيد للمصالح الأمريكية وبالتالي بات دور هذا العدو أهم بالنسبة للأمريكيين، فمع الاتجاه إلى العولمة يرون أن السيطرة على مصادر الثروة حاجة ماسة وأساس الثروة التي يشكل عمادها النفط، قائم في الأمة العربية، لذلك يحتاج الأمريكي العدو الإسرائيلي في إطار سياسة الأحلاف ومنها مشروعه في الشرق الأوسطية الذي بدأ العمل له منذ عشر سنوات بجهد مشترك أمريكي إسرائيلي. وبعد أحداث ١١/٩/٢00١ حصل تصعيد أمريكي ضد الإسلام والمسلمين والعرب وترافق معه اجتياح شاروني وجرائم يصعب وصفها، وكان كل ذلك في إطار الشراكة التي يصح أن نسميها من خلال مصطلح موحد: الصهيوأمريكية. وهذه الصهيوأمريكية ببعدها الديني ليست جديدة وإنما تسبق قيام الولايات المتحدة الأمريكية حيث بدأت مع الأصوليين التطهريين (Puritans) في بريطانيا وشكلت الأساس المشترك في تشكيل الشخصية الدينية السياسية التي تقود الولايات المتحدة الأمريكية منذ مئات السنين، والتي انبعثت بشكل قوي في الخمس والعشرين سنة الأخيرة. كما أن العداء للإسلام وللعرب ولشعوب شرق آسيا ولغيرهم لم يبدأ مع أحداث أيلول ٢00١ وضرب الأبراج، وإنما هو عداء متأصل يجد أصحابه في الإسلام عائقاً في طريق هيمنتهم والدليل ما ورد عند فوكوياما وعند هنتنجتون وسواهما من السياسيين، أو ما قاله ويقوله غراهام وفالويل وروبرتسون من الدينيين، ويأتي ذلك كله مجتمعاً في وثيقة جورج بوش التي قدمها إلى الكونغرس في ٢0/٩/٢00٢عنوانها: "استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية"، ويصرح فيها بأنه يريد تحقيق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ونشر قيمها ومنع أية قوة في العالم من منافستها عسكرياً مع ممارسة العمل العسكري الوقائي ضد أية أهداف يتوقعون منها عملاً ضدهم، وبذلك يكون جورج بوش قد قرر استباحة العالم كله وفي قلب مشروعه استباحة الأمة العربية والعالم الإسلامي لفتح الطريق أمام الأطماع الصهيوأمريكية. خطوات من أجل المواجهة: ١- يحتاج العرب والمسلمون، ومفيد أن يلتقي معهم كل المتضررين من الصهيونية الأمريكية إلى صناعة خطاب يوجهونه إلى الرأي العام الأمريكي بلغته ومفرداته، وبالاستفادة من كل التقنيات المتاحة كي يستميلوه، وعندها سيجد تيار الصهيونية غير اليهودية مواجهة داخلية ستدفعه إلى حسابات أخرى، وإلى مساعٍ لتغيير نظرته إلى الأمور، كما أن اللوبي اليهودي الذي تخلو الساحة الأمريكية له سيصطدم بواقع مختلف، ونقترح هذا والشارع الأمريكي ينتظر بمعظمه أية معلومة عن الإسلام بعد ١١/٩/٢00١، ومن القضية الفلسطينية، وهنا يكون دور كبير للكنائس المسيحية التي لا توافق على الصهيونية غير اليهودية التي يلصقونها زوراً بالمسيحية تارة باسم اليمين المسيحي وأخرى باسم الصهيونية المسيحية. إذن أول وسائل المواجهة وأهم ساحاتها الثقافة. ٢- مع مفتتح القرن الحادي والعشرين نحتاج قراءة جديدة من قبل أصحاب الأقلام والمواقع حيث لم يعد جائزاً أن نقول مثلاً: الشرق والغرب. فبعد انتهاء الحرب الباردة أصبح الغرب غروباً. فها هي أوروبا مع اليورو تعمل للجم العولمة الاقتصادية، وها هو شرودر المستشار الألماني يقف في وجه الأمريكي بوش وتهديده للعراق وللعرب، وها هو الرئيس جاك شيراك يقف بقوة وفرنسا في مجلس الأمن ضد قرار ينطلق من الموقف والمصالح الأمريكية دون سواها، وها هي الكنيسة الأنغليكانية ورئيسها جورج كاري و3000قس يقفون ضد السياسة الأمريكية ويعدونها مخالفة للدين وللقيم الأخلاقية.... لذلك بات من الضروري التمييز في خطابنا بين غرب وغرب، كما بات لزاماً علينا تحديث مواقفنا، فالحركة الصهيونية الأمريكية كانت في منبت أوروبي، واغتصبت فلسطين بدعم وتخطيط أوروبي واليوم تعمل بشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وباتت المواجهة مع الصهيوأمريكية ولم تعد مع الصهيوأوروبية. والأمر نفسه ينطبق على تصنيف الشرق ومواقفه. لكل هذا يحتاج الأمر دقة في اتخاذ المواقف، وفي إحداث التعبئة الشعبية حتى لا يكون بعضهم كمن يحرث البحر. 3- إن جهوداً كبيرة تحتاجها ساحات العمل في إطار حراسة الوحدة الوطنية من أية فتن ومشروعات تقسيم طائفية أو مذهبية أو عرقية. وهذا كذلك يحتاج لقراءة مختلفة للواقع، فمنذ قرن من الزمان تم التقسيم من خلال مؤامرة أوروبية في سايكس بيكو ويالطا وسواهما، واليوم يعمل للتقسيم، وبشكل مشترك العدو الإسرائيلي، والقيادة الأمريكية الحالية وعلى رأسها جورج بوش، وواجبنا وأد الفتن والتنبه لهذا الخطر الداهم الذي يعمل له الأمريكي تحت ستار الحريات الدينية والديمقراطية وفق المنظور الأمريكي التي هي باب للتقسيم وضرب الوحدات الوطنية. إن أية دعوات للتعصب وأية تعبئة طائفية أو عرقية هي في خانة مصالح الصهيوأمريكية أعداء الأمة. إن الحل بالمزيد من اللقاءات ومؤتمرات الحوار وصولاً إلى مؤتمرين عالميين مهمين. أ_ مؤتمر للحوار الإسلامي- المسيحي. ب- مؤتمر للحوار بين الحضارات ومع أصحاب المعتقدات غير المنبثقة من رسالات السماء خاصة النمور الآسيوية. ٤- إن الخطر الصهيوأمريكي خطر شامل لا يستهدف الفلسطيني أو العربي فقط لذلك يكون واجب المواجهة لهذا الخطر واجباً وطنياً على كل فلسطيني، وواجباً قومياً على كل عربي مسلماً أو مسيحياً، وواجباً إسلامياً على كل مسلم في العالم نصرة لإخوانه ومن أجل إحقاق العدل ومنع الظلم ومن أجل تحرير المقدسات، وواجباً مسيحياً على كل مسيحي لإنقاذ مهد المسيح عليه السلام ولنشر العدل ورفع الظلم، وواجباً إنسانياً على أصحاب العقائد والحضارات، وواجباً على كل مواطن في الولايات المتحدة الأمريكية أو مؤسسة عرفوا الحقيقة، وعلموا بأن ما تفعله قيادتهم الحالية سيقودهم إلى ما لا تحمد عقباه. ٥- "إن الانتفاضة في فلسطين هي درب الأمة إلى الحياة"؛ شعار محق، والانتفاضة مع عامها الثالث أنجزت انتصارات مهمة، وقد صنعت معادلة "توازن الرعب" عندما فقدنا إمكانية صناعة "توازن القوة". ومع هذه المعادلة أوقعت ضربات موجعة في صفوف العدو وتفيد الإحصاءات أن قرابة مليون يهودي قد تركوا الأراضي المحتلة، وأن ٢٥% من المحتلين يرغب بالخروج يضاف إلى ذلك آلاف الضباط والجنود الذين رفضوا الخدمة العسكرية في ساحات المواجهة ضد الانتفاضة البطلة. ويضاف إلى ذلك الخسائر الاقتصادية التي انعكست تقشفاً في ميزانيتهم التي يدرسونها للعام ٢00٣ بتراجع قدر ۹ آلاف شيكل أي حوالي ملياري دولار، وتراجع الاستثمارات وهروب مستثمرين كثيرين، وتراجع التقديمات حتى في قطاع التعليم، وقد أدى ذلك إلى تسرب ٣0 ألف طالب في العام الدراسي الماضي (٢00١-٢00٢) وأن العدد سيتضاعف هذا العام (٢00٢-٢00٣). ولا أدل على ذلك من التظاهرة التي واجهت شارون عند سفره خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر ٢00٢ إلى مقابلة جورج بوش، وقد رفعت لافتة كتبوا عليها: "المهاجرون جياع وأنت تستنزف أموال الشعب في حرب عبثية ضد الفلسطينيين." ودعم الانتفاضة كفاح وطني يقره ميثاق الأمم المتحدة، وشرعة حقوق الإنسان، وقد التزمته وثيقة اتفاق وزراء العدل والداخلية العرب في نيسان/أبريل 1998. ٦- إن دعم الانتفاضة واجب على العرب أولاً مسلمين ومسيحيين وكذلك مواجهة الأمريكي بعد الصهيوني بعد إقرار الكونغرس بأن القدس عاصمة للعدو الإسرائيلي وبعد العدوانية الأمريكية ضد العرب جميعاً كما ظهر هذه الأيام حكومات وشعباً، وبعد انكشاف الشراكة الصهيوأمريكية فيما يجري، والدعم يكون في ٣ أمور هي: أ- نشر وتعميم ثقافة المقاومة، والتأكيد على أن الجهاد اليوم هو جهاد دفع وهو فرض على كل مؤمن، وإعداد البرامج التربوية التعبوية التي تدق النفير في الأمة، ورفض المنطق الذي يجاري الأمريكي في تفسير الإرهاب، والتأكيد بأن الانتفاضة والعمليات الاستشهادية هي واجب ديني وقومي ووطني. ب- تقديم الدعم المالي والمادي عموماً للانتفاضة ومن خلال كافة المواقع ووفق الأصول وضمن الممكن، وهذا واجب بسيط وصغير أمام ما يقدمه من يضحون بأولادهم وبأنفسهم. ج- تعزيز مسار مقاومة التطبيع الاقتصادي منه خاصة وذلك بمقاطعة الشركات الإسرائيلية، وبضائع كل من يدعم العدو الإسرائيلي، وهذا معناه أن نتشدد في مقاطعة البضائع الأمريكية وكل شركاتهم ما عدا ما يتعلق منها بالعلم والطبابة حين لا يتوافر البديل، مع الإشارة بأن الاقتصاد عامل مهم في المواجهة، ويوم اعتدى فرعون على موسى عليه السلام وقومه ورد النص القرآني بلسان موسى عليه السلام: (ربنا اطمس على أموالهم(. ولا يخفى على دارسي الحضارات ما قرره ابن خلدون في مقدمته لجهة جدلية العلاقة بين المال والجند وأن ضعف أحدهما يؤدي إلى ضعف الآخر. لذا تكون مقاطعة البضائع ومقاومة الاختراقات الاقتصادية كحالة "آستي لودر" في لبنان وسواها، واجباً دينياً ووطنياً. ختاماً أقول للأهل في الأرض المحتلة ما قاله الشاعر اللبناني طارق آل ناصر الدين: تابعوا موتكم نحن من أمة عظيمة يبدأ في قبورها الانتماء. الهوامش: * ـ مسؤول الشؤون الدينية في المؤتمر الشعبي اللبناني أستاذ العقائد والأديان في كلية الإمام الأوزاعي- بيروت 1 - رزوق، د. أسعد، التلمود والصهيونية، بيروت، الناشر للطباعة والنشر، ط2، سنة 1411هـ-1991م، ص283. 2 - سفر التكوين، الإصحاح 17. 3 - سفر التكوين، الإصحاح 15. 4 - للتفصيل يراجع: كستلر، آرثر، القبيلة الثالثة عشر ويهود اليوم، ترجمة أحمد نجيب هاشم، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 1991م. 5 - يُراجع: السحمراني، د.أسعد، من اليهودية إلى الصهيونية، بيروت، دار النفائس، ط2، سنة 1421هـ-2000م، ص 31 وما بعدها. 6 - سفر العدد، الإصحاح 33. 7 - سفر تثنية الاشتراع، الاصحاح 7. 8 - سفر يشوع، الإصحاح 11. 9 - شاحاك، إسرائيل، التاريخ اليهودي المكشوف والمستور، ترجمة عبد الكريم محفوض، دمشق، دار البعث، ط1، 1996م، ص128. 10 - شاحاك، إسرائيل، التاريخ اليهودي المكشوف والمستور، م.س.، ص125. 11 - الكيلاني، د. هيثم، الاستراتيجيات العسكرية للحروب العربية الإسرائيلية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، سنة 1991، ص87. 12 - الكيلاني، د. هيثم، م.س.، ص567. 13 - شاحاك،إسرائيل، التاريخ اليهودي المكشوف والمستور، م.س.، ص26. 14 - سفر نبوءة حزقيال، الإصحاح 16. 15 - بيريز، شمعون، الشرق الأوسط الجديد، ترجمة محمد حلمي عبد الحافظ، عمان، الأهلية للنشر والتوزيع، ط1، سنة 1414هـ- 1994م، ص 193. 16 - شاحاك، إسرائيل، أسرار مكشوفة- سياسات إسرائيل النووية والخارجية، ترجمـة هشام عبـد الله، ط1، عمــان، الأهليــة للنشـر والتــوزيـع، ط1،سنة 1997، ص24-25. 17 - تشومسكي، نعوم، تواريخ الانشقاق، حوارات أجراها معه ديفيد بارساميان، ترجمة محمد البخار، عمان، الأهلية للنشر والتوزيع، ط1، سنة 1997، ص26. 18 - الحسن، د. يوسف، البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، سنة 1990، ص40. 19 - الحسن، د. يوسف، م.س.، ص45. 20 - الحسن، د. يوسف، م.س.، ص52. 21 - السماك، محمد، الاستغلال الديني في الصراع السياسي، بيروت، دار النفائس، ط1، سنة 1420هـ- 2000م، ص 54،55. 22 - تشومسكي، نعوم، م.س.، ص35.
|
مقالات أخرى من هذا الكاتب |
• الإرهاب الصهيوني فكرًا وممارسة
(بازدید: 1023)
(موضوع: )
• الكواكبي والدين
(بازدید: 1136)
(موضوع: شخصيات)
• مالك بن نبي والإنسان ومسار الحضارة
(بازدید: 1464)
(موضوع: دراسات حضارية)
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• القضية الفلسطينية في ضمير الشعب الإيراني
(بازدید: 1013)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• القضية الفلسطينية من منظور حضاري
(بازدید: 986)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• فلسطين في خطاب الإمام الخميني
(بازدید: 965)
(نویسنده: عدنان حسين أبو ناصر)
• فلسطين.. ثقافياً
(بازدید: 922)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• القضية الفلسطينية في العلاقات العربية الايرانية
(بازدید: 695)
(نویسنده: أحمد صدقي الدجاني)
• الغزو الثقافي الصهيوني: أبعاده و سبل مواجهته
(بازدید: 1086)
(نویسنده: ماجد سعيد)
• الفلسطينيون بين عسف الترحيل و حق العودة
(بازدید: 586)
(نویسنده: الدکتور يوسف حطيني)
• حق الشعب الفلسطيني في المقاومة
(بازدید: 1027)
(نویسنده: عزت محمّد الرشق)
• مسارب العدوان في الفكر الصهيوني
(بازدید: 635)
(نویسنده: علي المؤمن)
• القدس رمز وجودنا
(بازدید: 1020)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الغرب و الصراع على فلسطين في القرن الحادي و العشرين
(بازدید: 691)
(نویسنده: الدكتور رمضان عبد الله شلح)
|