فلسطين في خطاب الإمام الخميني
|
ثقافتنا - العدد 10
فلسطين
عدنان حسين أبو ناصر
1427
«ملخّص» فلسطين جزء من جسد الامة الإسلامية في خطاب الامام الراحل، ولذلك يتحمّل كل المسلمين مسؤولية الدفاع عن هذه القضية المصيرية، والصهيونية العالمية تستهدف من احتلال فلسطين السيطرة على مقدرات العالم الإسلامي وإذلاله، لذلك فإن تحرير فلسطين هو التخلص من مخطط إرهابي كبير، وكل ما فعله الامام في حياته تجاه هذه القضية إنما كان تأسيساً لمشروع نهضة جديدة لمواجهة الخطر الكبير. إن الحديث عن الإمام الخميني (رضوان الله عليه) يعني الحديث عن بان من بناة التاريخ الذين لا يموتون، إنهم يبقون فيه، يستوطنونه ويستمرون باستمراره يمارسون تأثيرهم بعد الموت، وأحياناً أخطر مما مارسوه خلال أعمالهم ونضالاتهم ونجاحهم في تغيير مساره ليقترب من أحلامهم وتمنياتهم ورؤاهم الخاصة للمستقبل. وإن هذا الحديث صعب ومتشعب لأنه يحتاج أولاً إلى وعي مرحلة الإمام بتفاصيلها بحوادثها وبرموزها وأنظمتها السياسية. وواقع العالم الإسلامي خلال هذه الفترة الزمنية، هو واقع انهياري أكثر منه واقعاً للصحوة والوعي، والعمل الإسلامي، وهو دافع تراجعي أكثر منه واقعاً للبناء وبعث الأمل.. وهو واقع يسير باتجاه تفكيك العالم الإسلامي ونهبه وتمزيقه وتكالب القوى الدولية المستغلة له أكثر من كونه واقعاً ينسجم فعلاً مع شعاراته الشكلية المرفوعة والمنادية بالعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان والرفاهية الاقتصادية وأخيراً فهو واقع بائس من الداخل والخارج. ولكن أمام هذا الواقع فإن أسئلة كثيرة تبدأ أولاً ولا تنتهي واستفهامات تتوالى بلا انقطاع: كيف يقاوم مثل هذا الواقع؟ وأية قوة قادرة على الخوض في غماره؟ وإلى أي مدى يمكن أن يستمر هذا الواقع؟ وما الطرق والوسائل التي يمكن اتباعها للتخلص من هذا الواقع؟ ونتساءل ونقول: أية قوة روحية كان الإمام يختزنها بحيث أتاحت له قيادة المسيرة السياسية الإسلامية ضد التيار، وأعطته الثقة الكبيرة في بدء رحلة تأسيس الوعي الثوري؟ أية مبادرة خلقت داخل الإمام ذلك العناد الثوري الهائل للوقوف في وجه العالم، كل العالم الذي استسلم أمام عمليات إبعاد الاسلام السياسي عن مسرح الحياة. من هنا يبدأ الذهول، ومن هنا تبدأ الحيرة في استيعاب الإمام الخميني(رض) كقائد ومفكر ورمز ومؤسس وصاحب مدرسة ثورية، ومنهج ثوري، وهذا الذهول هو ذهول بكل معنى الكلمة، إنه ذهول الوصف وحيرة الاستيعاب. وصعوبة التصور، ليس لدى الإنسان العادي بل لدى الإنسان الواعي والحركي، والقائد الثوري، فليس من المبالغة القول: إن: سبعين أو ثمانين سنة من المسيرة الثورية للإمام (رض) لم تكشف عما قام به، ولم تكشف عن كل ما أسسه وعلينا إذن قراءة هذه المرحلة على ضوء رؤى هذا القائد وأفكاره، لا بل علينا قراءة الأفق المستقبلي على ضوء فعل الإمام ودوره وكذلك استشراف الإمام السياسي ذاته لمرحلتنا هذه ولمراحل قادمة لم تأت بعد. وها هو آية الله السيد علي الخامنئي يتحدث عن الإمام ويقول: (لقد قيل الكثير حول إمامنا العزيز، لكنني أعتقد أنه من المبكر الآن أن نعرف نحن ويعرف المحللون العالميون إمامنا الجليل الفذ بشكل دقيق وكامل، فهو شخصية عظيمة يندر وجود مثيل لها بعد الأنبياء والأولياء كثيراً، إذ تظهر مثل هذه الشخصيات في مراحل معينة من التاريخ فتقوم بإنجاز أعمال كبرى ومنجزات ضخمة، وتضيء في السماء كالبرق فيمتد نورها إلى كل مكان في الفضاء ثم تمضي، لقد قام إمامنا الجليل الفذ بأعمال كبرى تتناسب ضخامتها مع عظمة الإمام نفسه). هكذا إذن يصف السيد القائد الخامنئي الإمام بالقول إنه من المبكر معرفة الإمام له وللمحللين العالميين، إن هذا الكلام في وصف الإمام (رض) عندما ينطلق من أي إنسان، فهو ليس كما يقال على لسان السيد الخامنئي ليس لأنه رجل الثورة الإسلامية الثاني بعد الإمام، ولا لأنه أكثر الثوريين استيعاباً لمنهج الإمام الخميني الثوري فحسب بل لأنه أيضاً رفيق الإمام (رض) في مسيرته الثورية قبل الانتصار وبعده، وكلمة السر التي كان يقولها الإمام في كل موقع ثوري ولجنة ثورية قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران وبعده، ولأنه الرجل الذي رشحته إيران برمتها ليحتل الموقع الأول في الدولة بعد رحيل الإمام (رضوان الله عليه) نقول: إذا كان آية الله الخامنئي يقول: إن معرفة الإمام هي أمر مبكر فكيف الحال لأي إنسان أو محلل أو كاتب أو دارس يحاول أن يسلط الضوء على هذا العملاق الراحل والتارك وراءه عالماً أسيراً لما أسسه ووضعه من قوانين جديدة للصراع الدولي، ما زالت بعد لم تتمخض عن نتائج في الوقت الحاضر، خاصة وأن صراع القوى المفتوح مايزال يعبر عن نفسه يومياً بدون انقطاع وبشكل تصاعدي في شتى أرجاء العالم الإسلامي؛ فضلاً عن محاوره التقليدية مع الجمهورية الإسلامية في إيران. وبالتأكيد إن صعوبة المهمة الاستقرائية لحياة الإمام (رض) ودوره السياسي وآثاره السياسية لا تعني إلا أن نتعامل مع ملف الإمام كملف مفتوح للدرس والبحث والتأمل، فهو رجل لعدد كبير من المراحل السياسية الماضية والقادمة. ولعل هذا ما كان يعنيه بالضبط السيد القائد الخامنئي من خلال قوله المذكور: إن معرفة الإمام معرفة دقيقة مازالت مبكرة، فالسيد الخامنئي أيضاً يستشرف الأفق السياسي ويقرأ استشرافات الإمام (رض) السياسية ويرى أيضاً أنه بالفعل رجل القرن الحادي والعشرين. في الدراسة القادمة سنحاول تسليط الضوء بشكل مكثف على موقع فلسطين والقضية الفلسطينية في خطاب الإمام الخميني (رض). فمنذ البداية أدرك خطورة العلاقة المشبوهة بين نظام الشاه المخلوع والكيان الصهيوني، وحذر من استمرار هذه العلاقة وزُجّ في السجن وأبعد عن البلد نتيجة موقفه من هذه العلاقة. أدرك أهمية بيت المقدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين والأبعاد الدينية لهذه الأهمية بدءاً من الإسراء والمعراج إلى الأقصى الشريف وقبة الصخرة.. وأطلق يوم القدس العالمي يوماً لكل المسلمين، عرف أهمية فلسطين والقضية الفلسطينية ودعا إلى الوقوف إلى جانب الفلسطينيين المستضعفين وضرورة مواجهة الغدة السرطانية إسرائيل واستئصالها من المنطقة. أخذت القضية الفلسطينية موقعها في الخطاب الخميني من خلال أشكال متعددة لمعالجتها والتعامل معها، فالإمام (رض) أولاها اهتماماً خاصاً عبر احتضانه منذ وقت مبكر لشكلها الثوري الجهادي في العقدين والسادس والسابع من العمل الفلسطيني المقاوم في القرن العشرين، أما بعد الانتصار فلقد أخذت هذه القضية موقعها في يوم القدس العالمي الذي أطلقه الإمام يوماً لكل المسلمين للوقوف إلى جانب فلسطين وقضيتها. نلاحظ موقع الاحتضان الخميني للثورة الفلسطينية منذ انطلاق فصائل المقاومة الفلسطينية المعاصرة، فمنذ ذلك الحين كان الإمام يحرص على دعم هذا العمل الجهادي المقاوم بكل الامكانات المتاحة من جهة، ويحثّ في الوقت نفسه القوى التحررية والدول الإسلامية على احتضان هذا العمل، وعدم تركه وحيداً أمام العدو الصهيوني ليستفرد به من خلال آلته الإرهابية البشعة، ويمكن القول قبل الحديث عن بعض أشكال الاحتضان والحث عليه إن الإمام (رض) كقائد إسلامي انفرد بأساليب داعمة خاصة للثوار الفلسطينيين عن غيره ممن واكبوا القضية الفلسطينية من القيادات. قليلون هم الذين عملوا لقضية فلسطين، وتحدثوا عنها دون لف وتزوير. الثورة الإسلامية، وضعت هذه المسألة في رأس اهتماماتها الإسلامية باعتبارها المسألة التي تجسد هدف الطامعين في عالمنا الإسلامي وما يمارسونه من جرأة على انتهاك المقدسات واللعب بالمقدرات والاستهانة بالأمة، كما أنها تجسد من جانب آخر مأساة المسلمين بذلّهم وهوانهم وسيطرة العملاء على شؤونهم وتقاعسهم. لا مجال للحديث عن أشكال الدعم وعن المواقف العملية والإعلامية التي اتخذتها الثورة الإسلامية تجاه القضية، بل نكتفي بعرض بعض أقوال الإمام بهذا الشأن: ذات مرة قال الإمام الخميني (رض): (إننا نقف مع المظلومين، نحن مع كل مظلوم وفي أي بقعة من بقاع العالم، ونظراً لأن الفلسطينيين قد ظلموا من قبل إسرائيل، فإننا نقف معهم نساندهم.. إننا سوف نهزم إسرائيل). من هذا القول يتبين لنا أن قضية فلسطين تحتل موقعاً متقدماً في مبادئ الإمام واهتماماته.. وتبشرنا من ثمّ بأمل واعد ما زلنا نعيش لنحياه يوماً.. وكلنا ثقة بأن الأمل سيصير ذات يوم حقيقة لا تعرف التبديل، لأن من يساندنا ويبشرنا بالعودة وبيوم الخلاص.. سيطرد من بلادنا الإسرائيليين وبعزيمة أهلنا وكل المحبين لخير الإنسان.. سيطرد الصهاينة الذين مازالوا يشرّدون ويقتلون أطفالنا ويطمعون بالتوسع في أرضنا وفي كل الأصقاع. منذ مطلع ستينات القرن العشرين، بدأ الإمام يخوض كفاحه الطويل ضد الإمبريالية والصهيونية في داخل حدود إيران المسلمة وخارجها. وقضية فلسطين العربية المسلمة.. قضية الإسلام المركزية، ظلت وعلى مدى السنين الطويلة في سلم أولوياته. ويتبين لنا هذا الكفاح من خلال الكلمات والخطب واللقاءات التي كان يجريها الإمام في مختلف الأماكن والأوقات. ففي عام 1962م وتحديداً في مطلع العام قال الإمام في خطاب له مع جمعيات الأقاليم والمدن: (لن يمر وقت لهذا السكون القاتل الذي يلف المسلمين إلا ويكون الصهاينة قد سيطروا على كامل اقتصاد هذا البلد، بعد أن يضمنوا دعم عملائهم لهم، ومن ثم جر الشعب المسلم، بكل شؤونه نحو السقوط). من هذا النص نرى كيف أن الإمام كان ينظر إلى ذلك الكيان نظرة الشك والريبة إلى وجوده في قلب المنطقة الإسلامية، وأن وجوده ليس من أجل حق تاريخي يريد الحصول عليه في أرض فلسطين.. بل هووجود تبعي للحفاظ على مصالح أسياده الذين أسسوه ودعموا كيانه. إن إدراك الإمام لخطر ذلك الكيان ليس وليد المصادفة أو المناسبة الخاصة، بل هو إدراك ناتج عن فهم طبيعة الصراع الذي تعيشه الأمة وما تزال في كل مناطق وجودها في مواجهة القوى الاستكبارية الظالمة وعلى رأسها الدول الداعمة لوجود إسرائيل. وإن وظيفة ذلك الكيان هي التغلغل الخبيث في مناطقنا وبلادنا، من خلال الأنظمة الرجعية والعميلة المرتبطة بعجلة الاستعمار لمراقبة حركة الشعوب وسيرها، حتى لا تقوم بالانتفاضات والثورات لامتلاك زمام أمورها، ولتبقى مقدرات الأمة كلها مرهونة لمصالح القوى الاستعمارية من أجل أن تستمر علميات النهب الاستعماري من خلال الإرهاب الذي تمارسه في مختلف أصقاع الأرض.. إن الإمام من خلال رؤيته هذه يحدد وبشكل واضح الدول التي ساندت الكيان الصهيوني وأسهمت في تأسيسه، ويحدد أيضاً وظيفة هذا الكيان التي تتلخص في المحافظة على مصالح دول الاستكبار العالمي في منطقتنا. وفي عام 1963م وقف الإمام يندد بالأعمال الشيطانية لإسرائيل، ويربطها بأسلوب ذكي محنّك بأعمال الشاه حاكم إيران آنذاك، وما إن بدت أقواله حتى أثارت هذه الأقوال بمختلفها غضب الشاه حاكم إيران.. مما دفعه إلى أن يرسل تحذيراته إلى الإمام وتلامذته طالباً عدم الربط بينه وبين إسرائيل، ومحذراً من الهجوم على إسرائيل.. وكان الإمام أصرّ على موقفه هذا ولم يتراجع أبداً.. وفي إحدى المدارس في مدينة قم.. في المدرسة «الفيضية» التي تعدّ إحدى المدارس التاريخية الكبرى في إيران لتحصيل العلوم الإسلامية في هذه القلعة وقف يقول: (اليوم أطلعوني بأنهم اعتقلوا بعض الخطباء وقادوهم إلى مراكز الأمن وقالوا لهم: ثلاثة أمور لا دخل لكم بها وما شئتم تحدثوا، لا دخل لكم بالشاه ولا تتحدثوا عنه، لا دخل لكم بإسرائيل، ولا تقولوا إن الدين في خطر، ونحن إذا وضعنا هذه المسائل الثلاث المهمة جانباً فبأي شيء نتحدث مع الناس؟ إن مآسينا إنما هي مرتبطة بهذه الأمور الثلاثة). ثم يقول: (إن عملاء إسرائيل يقومون بأعمال تخريبية في إيران، والله أعلم بما يسرون من خطط أخرى، فعندما نتطرّ ق لهذا الأمر، يقولون لا تتحدثوا عن الشاه وإسرائيل! أترى العلاقة بين الشاه وإسرائيل، هل الشاه إسرائيلي؟) وجاء في نداء الإمام إلى الوعّاظ والخطباء الدينيين: (إن النظام الحاكم المتجبر. النظام الشاهنشاهي. يتعاضد بكل قواه مع إسرائيل وعملائها، حيث سلمها الوسائل الإعلامية والدعائية في هذا البلد، وترك لها مطلق الحرية بالتصرف بها، وقد فسح المجال التام لها في النفوذ إلى الجيش والمؤسسات الثقافية وسائر الوزارات الأخرى، وأعطيت لها المناصب الحساسة في الدولة. عليكم أن تذكّروا الشعب دوماً بأخطار إسرائيل وعملائها في إيران، إن الركون إلى الصمت في هذه الأيام يعد تأييداً للنظام المتجبر لأعداء الاسلام واحذروا عواقب الأمور). إن الإمام يبين من خلال ما تقدم طبيعة العلاقة المشبوهة بين نظام الشاه المخلوع والكيان الصهيوني، وإلى أية درجة من التنسيق والتعاون وصلت هذه العلاقة الخبيثة التي أصبحت تشكل خطراً حقيقياً على الشعب المسلم في إيران وعلى مختلف شعوب الأمة الإسلامية، حيث إن الشاه يحرم الحديث عن الشاه نفسه وعن إسرائيل بالذات. وتعليقاً على اعتراف الشاه بإسرائيل وتحالفه معها يقول الإمام (رض) مخاطباً الشاه: (أما أنتم ودولة تركيا التي اعترفت مبكراً بإسرائيل فقد وقفتم صفاً واحداً إلى جانب إسرائيل). إن الإمام من خلال هذاا لنص يحذر الشاه الذي أصبح مع إسرائيل وتركيا في خندق واحد في معاداة الشعوب الإسلامية الأخرى. إنه يبين أن ذلك يعود بأفدح الأضرار على الشعب المسلم في إيران ويسيء إلى سمعة هذا الشعب الطيب.. هذا الشعب الذي يقف بكل مشاعره مع إخوانه من الشعوب الإسلامية الأخرى.. إنه يرفض التحالف مع إسرائيل.. إن الإمام في ذلك يقول إن حلفاء إسرائيل ليسوا من شعبنا المسلم.. ويقول إن ديننا يلزمنا بمعارضة أعداء الإسلام ومخالفتهم، وقرآننا يقضي بأن نعادي كل من يعادي المسلمين.. هذه هي سياسة الإمام وهذا هو منطقه.. وفي هذه الأثناء لم يتراجع الإمام.. وأصر وبكل قواه على موقفه تجاه إسرائيل والشاه في آن واحد.. مما أفقد الشاه أعصابه فارتكب مجزرة في المدرسة الفيضية في قم حيث أرسل رجاله المسلحين إلى المدرسة وفتحوا رشاشاتهم على العلماء والجماهير المشاركة في مجلس عزاء الإمام الصادق(ع). ولكن هذا لم يثن الإمام عن مواصلة جهاده فأصدر بياناً رداً على المذبحة جاء فيه: (يظن حكام إيران الخونة أنهم يستطيعون بهذه الأعمال اللاانسانية وممارسة أساليب الضغط في إيقاف في مسيرتنا نحو تحقيق أهدافنا والتي هي إبادة الظلم والديكتاتورية والأعمال اللاقانونية وصيانة الدين الإسلامي والمحافظة على حقوق المسلمين، وإقامة العدل الاجتماعي..). كما طلب في بيان آخر لا حق من علماء المسلمين والأساتذة والطلاب وسائر الفئات الواعية أن يعبئوا جميعاً طاقاتهم لخوض الكفاح ضد عملاء الاستعمار والصهيونية في جميع أنحاء إيران، واستنكار علاقات الشاه مع إسرائيل، كما دعا في البيان نفسه إلى دعم الشعب الفلسطيني ومساعدته. إن هذه الروح الثورية التي أطلقها الإمام الخميني في تفجير الوعي الشعبي الإيراني تجاه الخطر الصهيوني ساهمت بشكل كبير في تعبئة الجماهير للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته ومعاداة الصهيونية وكيانها في فلسطين. وبدأت لافتات وهتافات الجماهير الإيرانية الغاضبة تحمل شعارات معادية للصهيونية ومنددة بالشاه الذي أصبح بالنسبة لها (عميل إسرائيل وأمريكا). ولم يجد الشاه أمام هذه التطورات إلا اعتقال الإمام، الذي ما إن سمعت الجماهير بخبر اعتقاله حتى خرجت كتلاً بشرية هادرة تهتف (الموت دونك يا خميني).. لكن الشاه الذي أعماه غرور أمر الجيش بالتصدي للجماهير فكانت مأساة (15 خرداد) التي استشهد فيها خمسة عشر ألفاً من مسلمي إيران. ولقد عمّت موجة الغضب العالم الإسلامي احتجاجاً على ما فعله الشاه من اعتقال الإمام وإقدامه على مذبحة خرداد، وقد وجه الشيخ شلتوت شيخ الأزهر آنذاك نداءاً دعا فيه مسلمي العالم للتضامن مع مسلمي ومجاهدي إيران. وذلك في 10/6/1963م وقد جاء في هذا النداء: (… في هذه الفترة تتعالى صيحات وتتكرر في وضح النهار اعتداءات.. ضحاياها علماء الإسلام في إيران والمبشرون في دعوة الله والقائمون على أمر دينه، وليس عليهم من مآخذ إلا أنهم يعلنون كلمة الله)، (.. وعلماء الإسلام في إيران قد تكرر الاعتداء عليهم ، ونالت السجون منهم،وحيل بينهم وبين الأمر بالمعروف الذي يطلبه الإسلام في كل قادر عليه، والنهي عن المنكر من كل مستطيع له..)، (.. وفي تاريخ إيران نفسها خير شاهد ما لعلمائها من فضل يؤثر، وجهد يشكر وفدائية في سبيل الله والوطن لا تُنسى ولا تُجحد)، (ألا فلينتبه المسلمون في كل الأقطار والشعب المسلم في إيران إلى هذا الاعتداء الصارخ، وليعملوا على إنقاذ علماء إيران من طغاة إيران)، ثم ينهي شيخ الأزهر نداءه إلى المسلمين قائلاً: (فاشهد اللهم أنّ اعتداءاً على حملة رسالتك قد وقع، إن رفع الأذى عن أوليائك فرض في رقاب المؤمنين بك وأنت نعم المولى ونعم المصير). أمام هذا الضغط تم الإفراج عن الإمام الخميني، ليُعلن في خطابه التاريخي الذي ألقاه بعد أيام من إطلاق سراحه يقول: (إننا نخالف بشدة، هذه المظاهر الاستعمارية، ونخالف هذا الفساد ونقول إن إسرائيل هي التي تضع برامجكم الإصلاحية، وعندما تريدون وضع أي برنامج للبلاد، فإنكم تمدون يد الذل صوب إسرائيل. إنكم تأتون بالخبراء العسكريين من إسرائيل إلى هذا البلد (إيران)، وتبعثون بالمقابل من هنا (إيران) إلى اسرائيل الطلبة، إننا نقول بعدم صلاح هذا العمل أيها السيد.. يا شعوب العالم إعلموا أن شعبنا ضد مشروع التحالف مع أسرائيل. إن الذي نفذ ذلك ليس شعبنا ولا علماء الدين، إن ديننا يدعونا إلى عدم التوافق مع أعداء الإسلام، وقرآننا يدعو إلى عدم التحالف مع أعداء الإسلام والوقوف ضد جموع المسلمين، إنكم (مخاطباً الحكومة) تحالفتم مع اسرائيل، ووقفتم خلافاً لأحكام الإسلام في مواجهة المسلمين، إننا نقول كلامنا هذا.. ونتساءل، أيّ منّا رجعي؟ إننا في أقصى درجات المدنية، وكذلك الإسلام في أعلى درجات الحضارة والرقي!!) في عام 1964م. لم تتوقف صيحة الحق عند الإمام وظل مصراً على موقفه داعياً له محرضاً العلماء والجماهير المسلمة لمتابعة المسيرة.. فهاهو بمناسبة الذكرى السنوية لانتفاضة الخامس عشر من خرداد (5 حزيران 1964م) يقول: (إن علماء المسلمين مكلفون بالدفاع عن أحكام الإسلام الأساسية، وعليهم أن يعلنوا عن رفضهم وغضبهم من إبرام التحالفات مع أعداء الإسلام واستغلال خيرات البلاد الإسلامية ليعلنوا براءتهم من إسرائيل وعملائها، أعداء القرآن المجيد والإسلام والوطن.. على أية حال، إننا مستعدون، وإن برامجنا التي تعد تجسيداً للبرامج الإسلامية تشمل الدعوة إلى وحدة كلمة المسلمين، واتحاد الأقطار الإسلامية، والأخوة مع جميع طوائف وفرق المسلمين في شتى بقاع الأرض، والتحالف المبدئي مع جميع الأقطار الإسلامية في أرجاء العالم، والوقوف معها في مواجهة الصهيونية وإسرائيل وكل الدول الاستعمارية). ثم في حديث له بتاريخ 10/4/1964م يقول: (إن إسرائيل في حالة حرب مع البلدان الإسلامية، والحكومة الإيرانية تتعامل معها بكل الود والمحبة، وتضع تحت تصرفها جميع القنوات الدعائية والإعلامية، وتوفر لها التسهيلات اللازمة لإدخالها بضاعتها إلى إيران. إن الشعب الإيراني يرفض بشدة تلك المساومات الرخيصة التي تنجز مع إسرائيل الخبيثة، والشعب الإيراني بريء من هذه الذنوب الكبيرة، إن من يقوم بذلك هي الحكومة التي لا يقبلها الشعب مطلقاً).. بعد ذلك جاءت أيام المنفى إلى تركيا، ولكنها لم توقف الصيحة أبداً.. وظلت قوية بمحبة الجماهير، بعد أيام من بيانه التاريخي السابق الذي أعلن فيه: (فليعلم العالم بأن جميع مشاكلنا تنبع من أمريكا.. جميع مشاكلنا تنبع من إسرائيل، إسرائيل هي الأخرى جزء من أمريكا، وهؤلاء النواب هم أيضاً من أمريكا وهؤلاء الوزراء ايضا كلهم عملاء وصنايع أمريكا). نعم هذه هي المشكلة.. التي نظر إليها الإمام منذ البداية نظرة استراتيجية محدداً فيها ثالوث المشروع الاستعماري في المنطقة: أمريكا – إسرائيل – العملاء في الوطن الإسلامي.. إن هذه النظرة الاستراتيجية الشاملة الطبيعية لمعسكر الأعداء وللشعب والأمة هي.. هي مازالت قائمة وكأني به موجود بيننا الآن.. لقد رفض الإمام النظرة الجزئية للقضية الفلسطينية.. وذلك يرفض الحلول الجزئية التي تنتقص من الحقوق التاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني. فها هو في عام 1964م يصدر بياناً تعليقاً على مشروع تحويل نهر الأردن الذي ناقشه الحكام العرب في مؤتمر القمة يقول الإمام (رض) في هذا البيان: (.. إنني أسأل المسلمين قائلاً: لماذا تنازعون إسرائيل على نهر الأردن؟ إن فلسطين كلها مغتصبة، فاعملوا على إخراج الصهاينة منها أيها المتشاغلون بأنفسكم، كيف تتركون فلسطين محتلة وتذهبون للنزاع حول مياه النهر؟، إنكم عندما تختلفون معها على ذلك فإنكم اعترفتم بوجودها كحاكمة على فلسطين بل كدولة لها الحق في فلسطين)!! إنه لا يريد أن يتعامل مع إسرائيل كواقع مفروض وموجود.. بل إنه يبين من خلال خطابه هذا أن إسرائيل مغتصبة وطارئة ويجب العمل على إزالتها واجتثاثها وليس التعامل مع إفرازاتها هذا التعامل الذي يُرَى فيه إقرار واعتراف بها.. إنه يدعو إلى التفجير الشامل الذي يقتلع هذه الغدة السرطانية وإلى الأبد.. وعندما أحرق المسجد الأقصى من قبل أعداء الإسلام هذا الحريق الذي أصاب المنبر والجزء الجنوبي من المسجد.. سئل الإمام (رض) عن إعمار المسجد فقال: (لا ينبغي إعادة إعمار المسجد الأقصى ما دامت إسرائيل محتلة لفلسطين، كي تبقى جنايات وجرائم إسرائيل حية وظاهرة للمسلمين، مما يبعثهم على التحرك والعمل على استعادة الأراضي والمقدسات الإسلامية..) وقال: (لقد أحرقوا المسجد الأقصى ونحن نصرخ: دعوا آثار الجريمة باقية، في حين يوظف نظام الشاه حساباً في البنوك، لإعادة بناء المسجد الأقصى وترميمه، وعن هذا الطريق يملأ جيوبه وخزائنه ويزيد من أرصدته، وبعد ترميم المسجد الأقصى يكون قد غطى وستر آثار الجريمة الصهيونية..). هكذا يريد الإمام (رض) أن تبقى الجرائم التي ترتكبها إسرائيل شاهداً على عدوانها وهمجيتها التي لم يسلم منها شيء حتى أماكن العبادة لدى المسلمين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، يجب أن تبقى هذه الجريمة محرضاً لكل المسلمين لكي يتحدوا من أجل مواجهة أعداء الإسلام.. إنه لا يريد من نظام الشاه العميل وكل الأنظمة العميلة التي تسارع دائماً للتغطية على جرائم إسرائيل في فلسطين أن تعمل وبسرعة على إزالة آثار الجريمة التي تخدم أولاً إسرائيل.. وهكذا يستمر الإمام الخميني من منفاه كما كان في إيران مدافعاً عن الإسلام وعن فلسطين العربية المسلمة فاضحاً إسرائيل وممارساتها اللاإنسانية. بين عامي 1967. 1968: وعندما حلّت نكسة حزيران عام 1967 بكل ويلاتها وأوجاعها.. هذه النكسة التي بينت عجز الأنظمة العربية عن مواجهة إسرائيل وتحطيم أهدافها في التوسع بالأرض العربية، حيث قامت دولة العدو في هذه الحرب باحتلال الأجزاء التي لم تغتصبها عام 1948م من فلسطين وأجزاء أخرى من الأراضي العربية في هذه الأثناء لم يعد أمام شعب فلسطين إلا الكفاح المسلح الذي انطلق وتصاعد ليكون رداً عملياً على هزيمة 1967م.. في هذه الأثناء وكما في غيرها كان الإمام (رض) حاضراً وهاهي صيحاته تأتي مؤيدة.. ثائرة تحثّ أبناء الشعوب الإسلامية على تزويد أبطال البندقية الفلسطينية بكل أنواع الدعم المادي والمعنوي، ليتمكنوا من القيام بالواجب العظيم الملقى عليهم، بل وصل الحد إلى إصدار فتاويه المشهورة بجواز صرف قسم من الحقوق الشرعية إلى أبناء فلسطين الذي يقاتلون الكيان الغاصب. وفي جوابه على مجموعة من مسلمي فلسطين حول وجوب تقديم الدعم والإسناد الكافي إلى مسلمي فلسطين يقول: (لقد قلت سابقاً وأقوله الآن، إن الكيان الإسرائيلي الغاصب، يشكل خطراً عظيماً أخشى أن تفوت الفرصة علينا، فيما لو سمح له المسلمون في التوسع، وعندها لا يمكننا الوقوف أمام توسعه، ونظراً لأن احتمال الخطر يهدد أساس الإسلام فلابد لجميع المسلمين بشكل عام والدول الإسلامية بشكل خاص، أن يبذلوا كل جهدهم من أجل استئصال غدة الفساد هذه من المنطقة، وأن لا يتوانوا في تقديم المعونات إلى المدافعين عن فلسطين، وليبذلوا ما في وسعهم لدعم هذا الأمر الحيوي، فضلاً عن صرف حقوق الزكاة وباقي الحقوق المالية في هذا المجال. أدعو الله سبحانه وتعالى أن يعين المسلمين، ويمن عليهم بدوام اليقظة والحذر، وأن ينقذ بلاد المسلمين من شر أعداء الإسلام). من خلال هذه الرؤية يحدد الإمام وبشكل دقيق أن الخطر الذي تشكله إسرائيل يستهدف الإسلام لذلك فإنه يدعو المسلمين كافة للدفاع عن فلسطين فهو يرى أن الصراع بين الإسلام والكيان الغاصب هو صراع بين قوى الشر وقوى الظلم من جهة والمسلمين من أجل مواجهة بؤرة الفساد الخبيثة في منطقتنا.. يرى أن فلسطين هي قضية تخص المسلمين.. ولا يقف (رضوان الله عليه) عند حد بذل الجهد فقط ولكنه أيضاً يطالب بصرف الحقوق المالية من أجل مساندة الشعب الفلسطيني لمواجهة أعدائه الذين يعدّهم أعداء للإسلام والمسلمين كافة. بين عامي 1971. 1972م يكرر الإمام فتواه مرة أخرى بوجوب صرف قسم من الحقوق الشرعية من الزكاة وحق الإمام، بما فيه الكفاية، للمجاهدين في سبيل الله، المرابطين في خطوط الشرف والمجد للقضاء على الصهيونية اللاإنسانية. وفي بيان الإمام (رض) حول مساندة الشعب الفلسطيني بتاريخ 3 رمضان 1392هـ الموافق للعام 1972م يقول: (إن الطريق الوحيد لإرجاع العظمة والجلال والعز وللاسلام والمسلمين هو إحساس المسلمين الجدي، بمسؤولية الحراسة والذود عن الإسلام والحفاظ على الوحدة.. لابد أن يعلم الجميع أن أهداف الدول العظمى في إيجاد الدويلة الإسرائيلية في فلسطين لا يتحدد باحتلالها فلسطين وحدها وإنما يسعون من أجل تنفيذ مخططهم الذي يتضمن جر الأقطار العربية إلى المصير نفسه الذي انتهت اليه فلسطين، ولكن ورغم كل هذا، فإننا نلاحظ اليوم الجهاد الذي يخوضه المناضلون الفلسطينيون بهدف تسلم مصير فلسطين للفلسطينيين أنفسهم). هكذا إذن يحدد الإمام الخميني مكمن الخطر والتهديد بالنسبة للأقطار العربية فإسرائيل لن تكتفي باغتصاب فلسطين، بل ستبقى تمثل الشرطي الذي يتهدد هذه الأقطار ويحافظ على مصالح الدول الاستعمارية في المنطقة؛ وهو من خلال تحذيره للدول العربية من هذا المخطط الذي يستهدف السيطرة الكاملة على المنطقة فإنه يضمن هذا التحذير دعوة الأقطار العربية إلى مواجهة هذا الخطر من خلال استخدام كل الأسلحة المتاحة من المعادن والثروات والإمكانيات الطبيعية الأخرى للعمل على الحد من نفوذ الدول الاستعمارية وقطع أيادي الصهاينة في فلسطين. ولا يقف عند حد تحذير الدول العربية، بل إنه يرى أن مخالب الاستعمار قد امتدت طويلاً لتصل إلى أعماق الدول الإسلامية حيث إن الاستعمار عبّأ فيها جميع قواته وإمكاناته بهدف بثّ التفرقة وتشتيت صفوف المسلمين، ويصل الإمام في نهاية بيانه إلى نتيجة هامة وهي أنه ورغم كل هذه الظروف الصعبة فإن الفلسطينيين تصدوا لهذا العدو وهم الآن يتحمّلون مسؤولياتهم من خلال الجهاد الذي يخوضونه ضد عدوهم وعدو العرب والمسلمين. في عام 1973م: وعندما نشبت حرب تشرين عام 1973م بين الدول العربية وإسرائيل فإن الإمام الخميني دعا هذه الدول التي تحارب اسرائيل إلى الصمود والمقاومة وامتلاك الإرادة القوية في هذه المعركة المقدسة، كما أنه دعا كل دعاة التحرر في العالم إلى أن يضموا أصواتهم إلى أصوات الشعوب الإسلامية، استنكاراً للاعتداءات الاسرائيلية اللاإنسانية وإدانتها.. كما أنه بشر بالفتح والظفر والانتصار إذا التزم المجاهدون بالصبر وتحمل الصعاب. ففي نداء الإمام الخميني بعد بداية الحرب يقول: (يجب على الدول التي تحارب إسرائيل الآن، أن تلتزم بالجدية في هذا الصراع الإسلامي المقدس، وأن تقوي إرادتها وتستقيم وتصمد في نهجها، وأن لا تغفل عن التواصي بالحق والصبر الذي يعد من الأوامر الإلهية للمسلمين المبشرين بالنصر والظفر). عام 1977م: وعندما حدثت الخطوة الصاعقة والمفاجئة التي قام بها الرئيس المصري (أنور السادات) عام 1977م، لتكون بداية التنفيذ العملي لإضفاء الشرعية العربية على إسرائيل، بعد أن عملت هذه الأنظمة طويلاً من خلال الصخب والضجيج الإعلامي بأن إسرائيل دولة لا تقهر، وأن الدول العربية لا تمتلك الأسلحة التي تستطيع مواجهة ذلك الكيان حيث إن بعضهم اقتنع بذلك، وبعضهم الآخر لا يستطيع أن يغير موازين القوى التي تدعم إسرائيل والوجود الصهيوني في فلسطين.. فكانت اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة. وعلى إثر هذه الاتفاقية قال الإمام الخميني (رض): (إن اتفاقية كامب ديفيد، تعد مؤامرة تهدف إلى إضفاء الشرعية على الاعتداءات الإسرائيلية، وهي في النتيجة غيّرت الظروف والأجواء السائدة في المنطقة لصالح إسرائيل، وسببت الأضرار للعرب والفلسطينيين وهذه الحالة السائدة لن تقبل من قبل شعوب المنطقة) ثم يقول: (إن الشعب المسلم في إيران وجميع المسلمين والأحرار في العالم لا يعترفون مطلقاً بإسرائيل، وإننا سنبقى دوماً، نحمي وندافع عن الإخوة الفلسطينيين والعرب). وهكذا كانت اتفاقية كامب ديفيد أول معاهدة صلح تعقد بين العرب وإسرائيل لتكون بداية النهاية لصراع استمر طويلاً – كما أرادوا – ولكن هذه المعاهدة قوبلت فعلاً بالرفض الشعبي العارم – كما تنبأ الإمام – وعلى الرغم من هذا الرفض الشعبي فإنها خلطت الأوراق في المنطقة وأصبحت مصالحة إسرائيل والاعتراف بها وجهة نظر، وهذا ما أراده الاستعمار ويريده من العرب، وهو فك طوق العزلة عن هذه الغدة السرطانية الخبيثة من أجل أن تنتشر وتسيطر على كل المنطقة حتى تتمكن من أن تشكل الذراع الطويلة التي تخدم مصالح الإمبريالية العالمية، وهكذا كانت المأساة في كامب ديفيد. بين عام 1978. 1979 ومع اندلاع الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني في مطلع عام 1978م لم ينس الإمام أن يتابع ما يدور في فلسطين وأن يصدر النداءات المؤيدة للشعب الفلسطيني الداعية إلى الوقوف إلى جانبه ونجدته وإنقاذ فلسطين، كما كان يؤكد في كل فرصة، وفي غالب أحاديثه مع وسائل الإعلام إلى حد أنه قال في أحد نداءاته (إن من أسباب ثورة الشعب الإيراني ضد الشاه هو حمايته اللامحدودة لإسرائيل وتأمينه لاحتياجاتها النفطية، ولأنه جعل إيران سوقاً للبضائع الإسرائيلية، إضافة إلى دعم الشاه المعنوي لإسرائيل مع أنه يتظاهر بإدانتها كي يخدع العالم). أي أن الإمام وهو في عز انتصاره على الشاه وفي ذروة ظفر الثورة الإسلامية يبين ويفضح موقف الشاه المخلوع المؤيد والداعم لإسرائيل، ويربط بين أسباب قيام الثورة الإسلامية، ويعدّ أن أحد الأسباب الرئيسية لها هو موقف النظام المخلوع من إسرائيل وانحيازه الدائم إلى جانبها. وعندما سأله مراسل محطة التلفزيون الأمريكي ABC(1/12/1978م): س: فيما لو سقط الشاه وتسلمتم السلطة مكانه فما التغييرات التي ستوجدونها حول العلاقة مع إسرائيل؟ ج: نحن سنطرد إسرائيل، ولن نقيم معها أية علاقة فهي دولة غابة ونحن أعداؤها. س: هل يعني هذا أن إسرائيل لن تستفيد من النفط الإيراني. ج : لن تستفيد مطلقاً. س: لن يضخ النفط إلى إسرائيل مطلقاً؟ ج: نعم. وفعلاً خسرت إسرائيل أكبر دعائم لها في المنطقة وخسرت الإمبريالية أكبر قاعدة لها، وتوقف النفط والمساعدات والدعاية والإعلان، وتحول كل ذلك في مواجهة إسرائيل وقوى الاستكبار الأخرى. وعندما وصل الإمام الخميني إلى مطار طهران في 1/2/1979م حاملاً بشائر النصر النهائي، لم ينسَ وهو في المطار الإشارة إلى ارتباط النظام المخلوع بإسرائيل وقال: (إذا ما استمر «باختيار» والجيش في مواجهة الشعب وبدعم من أمريكا وبريطانيا وقوات جيء بها من إسرائيل. كما فعل أسياده من قبل. عندها سنعرف كيف نواجهه ونقرر مصيره). ومع اشتعال الثورة الإسلامية.. وانتصارها في شباط 1979 كان الحماس الإسلامي يصل ذروته في كل العواصم الإسلامية.. وفي يوم الانتصار كان المسلمون في كل مكان بعضهم يهنئ بعضاً بعد الفتح المبين. أما في فلسطين المحتلة فلم يكن للفرح الفلسطيني مثيل.. الأمة تُبعث هنا من جديد، فالذين عاشوا كل تلك السنين تحت الحكم الإسرائيلي، ويعانون من العذاب والإحباط واليأس في صحراء العرب القاحلة شعروا أول مرة منذ سنين أنّ تحرير بيت المقدس ممكن.. بل وقريب وأن المسألة مسألة وقت.. لقد أيقظت الثورة الإسلامية الجماهير المسلمة. أما في فلسطين فقد كان هناك بعث جديد ونهضة جديدة. واستقبل قادة منظمة التحرير الفلسطينية في طهران في الأيام التي تلت الانتصار كما لم يستقبلوا في أي مكان في العالم، واستقبل الإمام الخميني رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وسط أجواء احتفال مهيب..ولما حضروا التقى بهم الإمام في19/2/1979م.. قال الإمام: (إننا ومنذ خمسة عشر عاماً، كنا قد قلنا كلمتنا حول فلسطين، إن وجهة نظرنا تلك بصدد قضية فلسطين، مازالت على قوتها السابقة، وسوف نولي هذه المسألة (وجود إسرائيل) أهمية أكثر في المستقبل، وبعد أن نرمم الخرائب التي ورثناها في بلدنا في عهد الشاه). وبعد ذلك جاء إعلان يوم القدس العالمي.. وأعلن الإمام الخميني مفجر الثورة الإسلامية في هذا العصر عن تحديد يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان من كل عام هجري يوماً للقدس، وذلك لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية التي كانت تقترب من نهايتها.. ومن أجل إعطاء القضية المركزية للأمة حجمها الطبيعي من الاهتمام. فهي قدس كل الأمة، وليست قدس الشعب الفلسطيني فقط أو العرب لا غير، ومن ثمّ فإن كل المسلمين مطالبون بالعمل من أجل التحرير بكل الوسائل والإمكانات المتاحة أمام تلك المئات المنتشرة في جميع أنحاء العالم الإسلامي الواسع. ولهذا نجد الإمام يعبر عن مقولته عند إعلان تأسس يوم القدس: (إن آخر جمعة من شهر رمضان المبارك تعد يوماً للقدس.. ويوم القدس مجاور لليلة القدر، فيجب على المسلمين أن يحيوه.. إن يوم القدس يوم عالمي.. لا يختص بالقدس، بل هو يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين.. إنه يوم مواجهة الشعوب المستضعفة لتعلن عن وجودها أمام المستكبرين.. إنه يوم مواجهة الشعوب المستضعفة لتعلن عن وجودها أمام المستبكرين.. إن يوم القدس، هو يوم الإسلام، ويوم إحياء الإسلام وتطبيق قوانينه في البلاد الإسلامية، وهو اليوم الذي لابد فيه أن يمتاز الحق عن الباطل.. نسأل الله تبارك وتعالى، أن ينجّي إخواننا في فلسطين وجنوب لبنان وفي شتى بقاع العالم، من ظلم المستكبرين والقراصنة الدوليين). هكذا يربط الإمام بين إحياء يوم القدس العالمي وإحياء ليلة القدر حيث إنه يعد هذا الإحياء واجباً دينياً يجب على كل المسلمين إحياءه والقيام به، فهو أمر إلهي للدفاع عن الإسلام وتعاليمه، هذه التعاليم التي تحض على الجهاد في سبيل الله ومقاتلة الأعداء الذين استباحوا أرض الاسلام وعاثوا فساداً بها، فهو هنا يعد المشاركة في إحياء يوم القدس جزءاً من الواجبات التي على المسلم القيام بها، كما أنه يطلب من كل المسلمين المشاركة في هذا اليوم الذي يعد يوماً لكل المسلمين وليس لشعب فلسطين أو للشعب العربي فحسب. فهو هنا يؤكد مرة أخرى على طبيعة الصراع ويحدد القوى المشاركة في هذا الصراع، فهي أولاً شعب فلسطين والشعب العربي والشعوب الإسلامية كل بقاع العالم، ومن جهة الأعداء: إسرائيل وكل من يقف وراءها من قوى الاستكبار والعملاء.. وأخيراً نقول: لقد أخذت القضية الفلسطينية موقعها في الخطاب الخميني من خلال أشكال متعددة لمعالجتها والتعامل معها.. فمنذ مطلع الستينيات في القرن العشرين وقبل الانطلاقة العلنية للثورة الفلسطينية دعا الامام الخميني كل المسلمين الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني لنصرة قضيته العادلة، واستمر هذا الاحتضان في جميع المناسبات.. وفي كل خطاباته وكلماته ونداءاته وبياناته كان يدعو إلى ضرورة دعم أبناء فلسطين، وأن لا يتركوا أمام العدو الصهيوني ليستفرد بهم من خلال آلته الإرهابية. وعندما عاد رضوان الله عليه عودته المظفرة من باريس قال: (اليوم إيران وغداً فلسطين..) فهبت الجماهير المسلمة في طهران وترجمت هذا الشعار واندفعت كالسيل الهادر نحو (سفارة إسرائيل) وأحرقت العلم الإسرائيلي ورفعت مكانه علم فلسطين وتحولت (سفارة إسرائيل) إلى سفارة فلسطين، وبذلك تكون الجمهورية الإسلامية في إيران أول دولة في العالم تقيم سفارة لفلسطين. ولم يقف الإمام عند هذا الحد واستمر في احتضانه للقضية الفلسطينية إلى أن أعلن يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك كيوم يتضامن فيه كل المسلمين مع فلسطين وقضيتها المباركة. ويستمر نهج الإمام.. فها هو الإمام القائد السيد علي الخامنئي مرشد الثورة يعلن أن فلسطين جزء من الجسد الإسلامي وواجب المسلمين الغيارى في يوم القدس أن يهبوا لنجدة الشعب الفلسطيني المظلوم ودعمه. المصادر والمراجع: 1ـ عبرات وعبارات، المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الايرانية، بيروت، 1990م. 2- الإمام الخميني رجل القرن الحادي والعشرين، عادل رؤوف. دار الحق، بيروت، 1998م. 3- الإمام الخميني، الاستيطان الصهيوني، سمير أرشدي، د. رياض سليمان عواد. 4- نداء الثورة الإسلامية، إعداد محمد علي حسين، إيران، - طهران، ص . ب 1947/314. 5- الإسلام والاحتلال الصهيوني لفلسطين، منشورات المستشارية الثقافية الإسلامية الإيرانية بدمشق 1987م. 6- القضية الفسلطينية في كلام الإمام الخميني، سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق 2000م. 7- خط الإمام الخميني، عزالدين سليم، الطبعة الأولى 1403هـ ، المركز الإسلامي للدراسات السياسية. 8- الزمن الذي لا يعود، فضل عفاشي، دار الروضة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى 1990. 9- مقالات حول الثورة الإسلامية في إيران، مرتضى المطهري، دار التيار الجديد بيروت – لبنان. 10- فلسطين في خطاب الإمام الخميني ، عدنان حسين أبو ناصر، مطبعة قمحة أخوان دمشق- شورية، 2000م.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• الصهيوأميركية وضرورة مواجهتها
(بازدید: 823)
(نویسنده: أسعد السحمراني)
• القضية الفلسطينية في ضمير الشعب الإيراني
(بازدید: 1013)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• القضية الفلسطينية من منظور حضاري
(بازدید: 986)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• فلسطين.. ثقافياً
(بازدید: 922)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• القضية الفلسطينية في العلاقات العربية الايرانية
(بازدید: 695)
(نویسنده: أحمد صدقي الدجاني)
• الغزو الثقافي الصهيوني: أبعاده و سبل مواجهته
(بازدید: 1086)
(نویسنده: ماجد سعيد)
• الفلسطينيون بين عسف الترحيل و حق العودة
(بازدید: 586)
(نویسنده: الدکتور يوسف حطيني)
• حق الشعب الفلسطيني في المقاومة
(بازدید: 1027)
(نویسنده: عزت محمّد الرشق)
• مسارب العدوان في الفكر الصهيوني
(بازدید: 635)
(نویسنده: علي المؤمن)
• القدس رمز وجودنا
(بازدید: 1020)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• الغرب و الصراع على فلسطين في القرن الحادي و العشرين
(بازدید: 691)
(نویسنده: الدكتور رمضان عبد الله شلح)
|