أفكار حول التقريب و الوحدة
|
رسالة التقريب - العدد ٣٣
الوحدة الإسلامية
محمد علي التسخيري
1423
في إطار حواراتها مع العلماء والمفكرين وأصحاب الاختصاص، تنشر «رسالة التقريب» في هذا العدد حوارا مع سماحة آية الله الشيخ محمد علي التسخيري، وهو فقيه ومفكر إسلامي من الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية، من مواليد ١٣٢٣ هـ / ١٩٤٤م، جمع بين الدراستين الحوزوية (الدينية) والجامعية، فقد درس على كبار علماء الدين في الدين في الحوزتين العلميتين في النجف الأشرف وقم وفي مقدمتهم الامام الشهيد محمد باقر الصدر. كما تخرج من كلية الفقه في النجف الأشرف. يتسنم حالياً عدداً من المسؤوليات، أهمها: الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة، مستشار القائد الامام الخامنئي، عضو مجلس الخبراء في الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية وعضو مجمع الفقه الإسلامي بجدة وسبق له أن تصدى لجملة من المسؤوليات، منها: رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلاميّة، الأمين العام للمجمع العالمي لأهل البيت - عليهم السلام ـ، معاون رئيس منظمة الأعلام الإسلامي، رئيس لجنة تنسيق العمل الإسلامي المشترك في منظمة المؤتمر الإسلامي ورئيس اللجنة الثقافية في مؤتمر القمة الإسلامي بطهران. شارك الشيخ التسخيري في مئات المؤتمرات العالمية، العلمية والفقهية والفكرية والثقافية والأدبية والاقتصادية والسياسية، منها مؤتمرات وزراء (١٠٠) خارجية الدول الإسلاميّة، التي ترأس فيها وفود الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية لأكثر من دورة. ألف ما يقرب من (٥٠) كتاباً، كما كتب اكثر من (٣٠٠) دراسة ومقال في مختلف فروع العلوم الإسلاميّة والفكر الإسلامي. ومن أهم مؤلفاته: تفسير القرآن الكريم (ج١)، الأمل في الإسلام والمبادئ الوضعية، التوازن في الإسلام، الدولة الإسلاميّة: وظائفها السياسية والاقتصادية، حول الدستور الإسلامي في مواده العامة، في الطريق إلى الله، الصحوة الإسلاميّة والأعلام، نظام العقوبات الإسلاميّة، من حياة أهل البيت، بحوث في الاقتصاد الإسلامي، الروايات المشتركة في صلاة الجمعة والحج، مؤتمر السكان والتنمية، الحج وآثاره على الحياة الاجتماعية، بحوث في مؤتمرات مجمع الفقه الإسلامي، حقوق الإنسان بين الإعلانين العالمي والإسلامي، الظواهر العامة في الإسلام، ديوان شعر. ◙ نرجو أن تسمحوا لنا في بداية الحوار بطرح سؤال حول مصطلحي «التقريب» و «الوحدة» رغم وجود التعاريف المختلفة للمصطلحين المذكورين، كيف تفسرون هذين المصطلحين الأساسيين؟ الشيخ التسخيري: الوحدة الإسلاميّة تعني إيجاد الجبهة الواحدة، واتخاذ الموقف العملي الموحد تجاه القضايا والشؤون الإسلاميّة المشتركة، مثل تنفيذ أحكام الشريعة الإسلاميّة أو تحقيق الملاكات الحقوقية، الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية، أو اتخاذ الموقف الواحد حيال الهجوم المعادي على الأمة الإسلاميّة و… بناء عليه فالوحدة الإسلاميّة هي أن تتخذ جميع الطاقات والقوى الإسلاميّة موقفا عمليا واحداً، أما في الجانب الفكري كما في الفقه والاجتهاد فهم أحرار، وان دعوة القرآن للوحدة إنّما هي دعوة للوحدة العملية، فقد اقر القرآن حرية الفكر والاختلاف الفكري، أما المقصود من التقريب، فهو إيجاد التقارب بين وجهات النظر بين المذاهب على طريق الاخوة الإسلاميّة فينبغي لاتباع المذاهب الإسلاميّة المختلفة - رغم وجود الاختلافات المذهبية فيما بينهم - أن ينظر (١٠١) أحدهم إلى الآخر نظرة المسلم لأخيه؛ يرعى حقوق الاخوة الدينية وكذلك العمل على إزالة الحواجز النفسية المصطنعة، فالتقريب أذن لا يعني التذويب ولا التخريب بمعنى اندماج مذهب في المذاهب الأخرى، ولا هجوم مذهب على مذهب آخر. ولتحقيق هدف التقريب نسلك السبل التالية. ١ - بذل الجهود والمساعي لتعرف علماء المذاهب بعضهم على البعض الآخر. ٢ - كشف المجالات المشتركة، ثم بذل الجهود لتنمية هذه المجالات، نحن مكلفون بالبحث عن وجهات النظر المشتركة، ولهذا فإن الآية المباركة (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم» [١]، ترشدنا إلى الحوار بين الأديان، وبطريق أولى يلزمنا اكتشاف المجالات المشتركة بين المذاهب الإسلاميّة، وثم بذل الجهود لتنمية هذه المجالات. ٣ - بذل المساعي والنشاطات الحميدة في سبيل توسعة وترويج عوامل الوحدة وإزالة أسباب الاختلاف وعوامل الفرقة. ٤ - العمل لإزالة الحواجز النفسية بين اتباع المذاهب التي أفرزتها المقولات التاريخية من جهة ودسائس العدو من جهة أخرى. ٥ - التقريب بين جماهير المسلمين. ٦ - وبصورة طبيعية يلزم أن يكون هدف التقريب إزالة سوء التفاهم والشبهات المطروحة بين المذاهب. ◙ استناداً إلى تعريف سماحتكم، هل يمكن القول إن هذا التعريف تكتيكي إلى حد ما، أي بمعنى التعايش السلمي على رغم الاختلافات الموجودة؟ الشيخ التسخيري: الوحدة الإسلاميّة والتحرك نحوها، هي حركة استراتيجية، لأن النصوص الإسلاميّة في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة تعتبر الوحدة الإسلاميّة من خصائص الأمة الإسلاميّة، فإن وجدت الأمة الإسلاميّة نفسها ممزقة فهي في الواقع لا تمتلك كل خصائصها ولتعلم أن رسالة القرآن لم (١٠٢) تطبق في هذا المجال، واستنادا إلى الآية المباركة: «أن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون» [٢]، فإن هذا الأمر استراتيجي والأمة مكلفة بتطبيقه، فكما أمرنا بالقيم السامية نظير العدالة والحق و….، كذلك كلفنا بالوحدة. ◙ يستدل البعض في مجال الوحدة الإسلاميّة بأن المسلمين يواجهون أعداء كثيرين، يهاجمونهم بكل طاقاتهم، لهذا السبب فعليهم نبذ الخلافات جانبا والاتجاه نحو الوحدة الإسلاميّة فهل تعتقدون بذلك؟ أم يلزم النظر إلى موضوع الوحدة بدرجة أعمق علينا أن نتابع المرحلة ابعد حتّى ولو لم يواجهنا العدو؟ الشيخ التسخيري: لاحظوا أن القرآن الكريم ذكر لنا قضايا كثيرة ليوجه نحو وحدة الأمة ويحركها إلى حيث مسارها وهي عبارة عن: ١ - التأكيد على الاخوة الإسلاميّة بين المؤمنين. ٢ - وحدة الشعار. ٣ - وحدة العبادات. ٤ - السبيل الآخر الذي ذكره القرآن هي النداءات المشتركة الموجهة إلى الأمة كلها (يا أيها الذين آمنوا) وبهذه الآية الشريفة يخاطب الباري عزّوجلّ جميع أفراد الأمة بصورة متساوية ويهديهم بصورة طبيعية إلى موضع واحد. ٥ - الطريق الآخر الذي يذكره القرآن هو التذكير بوحدة العدو؛ حيث يقول الحكيم في محكم كتابه: «والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» [٣]، فإن لم يكن بعضكم أولياء بعض، ولم يتخذوا وقفا موحدا، تحدث الفتنة والفساد في الأرض، أي أن العدو الذي اتحد ضد هذه الأمة سيواجهكم بهذا الاتحاد، فعليكم الاتحاد لمواجهته بناء على هذا فإن الوحدة الإسلاميّة ليست على أساس الموقف المتحد ضد العدو المتحد فحسب بل أن مسيرة الإسلام هي مسيرة الأمة الواحدة. (١٠٣) ◙ إذا أردنا دراسة الاختلافات المذهبية يلزم أن نبدأ من جذورها، وأن ننظر إليها نظرة موضوعية فما هو رأيكم؟ وكيف تفسرون ذلك؟ الشيخ التسخيري: اعتقد أن الإسلام بمقتضى واقعيته ومرونته ورسالته الخالدة، مع ملاحظة التغييرات والتعقيدات الاجتماعية أي تدخل عامل الزمان والمكان، فقد استوعب هذه التحولات، وشرع الاجتهاد، ووضع ضوابطه، وقدر حجية نتائجه، والمؤكد بأن الاجتهاد له ضوابط. وأن الإسلام إذ قبل الاجتهاد رفض حالة الركود والجمود وبصورة طبيعية، فعندما يطرح الاجتهاد يحصل الاختلاف في الرأي، وبناء على رؤية (الإسلام) اعتقد بأن هذا الاختلاف في الرأي يعد ثروة فكرية، وهذه الثروة الفكرية والنظرية يمكنها رفع مستوى أداء الأمة لا أن تشكل عامل ضعف ووهن، والمؤسف ولأسباب مختلفة أصبحت هذه الثروة الفكرية التي كان بإمكانها مساعدة هذه الأمة ورفع مستواها للتفرقة والتشتت وذلك لعوامل منها: ١ - النوايا السيئة على مدى التاريخ. ٢ - العصبيات غير المنطقية. ٣ - المصالح السياسية للحكومات والحكام. ٤ - الجهل. ٥ - تحريض العدو ودسائسه، فقد كانت مؤثرة لدرجة كبيرة في هذا الموضوع. وللأمة الإسلاميّة أعداء على مدى التاريخ، مثلا كان اليهود في صدر الإسلام عاملاً هاما في طرح الإسرائيليات، والنموذج البارز في يومنا هذا هو الاستكبار العالمي. ونتيجة للعوامل المذكورة تحول الاختلاف المذهبي البناء والمقبول على مدى التاريخ إلى الحالة الطائفية والعصبيات الطائفية ووجهت ضربات كثيرة لمسيرة الأمة الإسلاميّة، واستغلت الحكومات الجائرة هذه العصبيات مما نتج عنها سفك الدماء الكثيرة على مدى التاريخ. فمثلا لو راجعتم تاريخ بغداد (١٠٤) فستشاهدون أن أهالي جانب «الرصافة» كانوا يهاجمون أهالي «الكرخ» ويقتلون أهاليها، وبالعكس، وكل منهم يقتل ويتعصب لمذهبه باسم الشيعي والسني، لهذا فنحن بحاجة إلى أن ينظر العلماء وجميع المهتمين بمصالح الأمة الإسلاميّة، ويتدارسوا أسباب سفك الدماء والخلافات التي حصلت حتّى يعرفوا عواملها وأسبابها. ◙ ذكرتم في البحث جذور الاختلاف العائد إلى نوايا الحكومات ومصالحها، وقد عرف الشيعة في العهد الصفوي حكما ملكيا مأذوناً وبحدود جغرافية سياسية كيف تفسرون دور إيجاد الحكم الصفوي امام الخليفة العثماني هل تعتقدون بأن هذا الأمر سبب نشر التشيع المغالي أم لا؟ الشيخ التسخيري: اعتقد بأن سياسة الجانبين سبب ترسيخ الطائفية بين أهل السنة والشيعة، وقد شددت سياسة الصفويين على الطائفية، كما أن السياسات العثمانية الهبت حماس هذا الأمر إننا عندما لا ننكر الجوانب الإيجابية في الحكومتين فلا ينبغي أن نغض الطرف عن سلبياتها، الخلافات الاجتهادية طبيعية غير أن الانحراف الذي سبب هذا الاختلاف دفع إلى إيجاد الفرقة المتعصبة المعلولة للخلافات السياسية. ◙ بعض علماء الشيعة في العهود الماضية كالشيخ المفيد والشيخ الطوسي حينما كانوا في منصب الفتوى كانوا يفتون بموجب المذاهب المختلفة. كيف تفسرون ذلك؟ الشيخ التسخيري: هنا يلزم أن لا ننسى الدور الكبير للأئمة الأطهار - عليهم السلام - في إعطاء الصبغة الطبيعية للاجتهادات المختلفة فقد كان الأئمة - عليهم السلام - أولاً على استعداد لتدريس أصحاب المذاهب، وقبلوا طلابا من جميع طبقات الأمة؛ فعلموهم وربوهم. وكانوا يتابعون ويرشدون على خطين، الأول الخط التربوي للمجموعة الخاصة، التي تعتقد بإمامة أئمة أهل البيت - عليهم السلام ـ، ونحن نسميهم الشيعة والخط الآخر إرشاد جميع الأمة الإسلاميّة، ونشر الوعي والعلم (١٠٥) بين كافة أبناء المسلمين، والطبيعي بأن أصحاب الأئمة أيضاً كانوا يتابعون هذين الخطين ونحن نشاهد بأن علماءنا أحيانا يفتون بموجب آراء المذاهب المختلفة، وفي هذه المسائل كتبوا كتب الخلاف أيضاً فعلى هذا يعد هذا الأمر مستقى من الروح العلمية التي كانت منتشرة بين علمائنا، وكان شائعا حتّى العصور الأخيرة. ◙ نشاهد في هذا العصر زوال التوتر بين المذهب الشافعي والحنفي والحنبلي والمالكي، كيف تقومون هذا الأمر رغم أن الاختلافات المذهبية في العصور الماضية لم تكن قليلة بينها؟ الشيخ التسخيري: في فترة من فترات الماضي كان الاختلاف بين مذاهب أهل السنة اكثر من الاختلاف الموجود بين الشيعة والسنة. ينقل الإمام الطوفي الحنبلي أن الوالي الحنفي حينما كان يمر على مسجد الشافعية كان يقول: «أما آن لهذه الكنيسة أن تغلق»، يعني أن الفرق بين المذاهب السنية كانت كثيرة، ولكن عقلاءهم عملوا على إزالة هذه الخلافات فيما بينهم، وعرف بعضهم بعضا بأنهم غير مختلفين حتّى يتفرقوا نحن نشاهد اليوم اتباع هذه المذاهب رغم وجود الاختلافات بينهم ولكنهم لا يشعرون بالاختلاف العملي، فالمالكي في المجتمع الشافعي أو الحنبلي في الوسط الحنفي لا يشعر بالغربة لهذا علينا أن نسعى مخلصين لتفهيم الشيعة والسنة بان هذه الخلافات لا توجب خروج أي طائفة من الإسلام، نحن كلنا مسلمون ونعتقد بالأصول الأصلية في الإسلام، ويجب أن نتحمل مسؤولية كل المسلمين. حديث «من اصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم» منقول في كتب الفريقين ولا يخص الشيعة فقط أو السنة فقط فعلى كل مسلم الاهتمام بشؤون جميع المسلمين في كل مكان، والإمام الصادق - عليه السلام ـ: حين يقول «من آتاه أخوه في حاجة يقدر على قضائها فلم يقضها له سلط الله عليه شجاعا ينهش إبهامه في قبره إلى يوم القيامة مغفوراً أو معذباً» أو يقول: «ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلاّ ناداه الله تبارك وتعالى علي ثوابك ولا أرضى لك بدون الجنة»، لا يفرق بين مسلم ومسلم بل الكل معنيون بذلك (وسائل الشيعة: أبواب (١٠٦) فعل المعروف) فإذا كان الجميع يشعرون بهذا الشعور - يمكننا شيئاً فشيئا أن نزيل الحواجز، طبعاً إزالة الحواجز لا يعني الحواجز الفقهية والتاريخية والكلامية، فلا مانع من أن تبقى في موضعها، ولكن الحدود المصطنعة العملية يجب أن تزول بالمرة. ◙ يقوم البعض من منطلق المحبة أو تحت تأثير أفكار المعرفة الغربية طرح بحث النسبية أو التعدد المذهبي، والبعض الآخر يقول: يجب إزالة الحدود والنظر إلى الإسلام الموحد أي إسلام بلا مذاهب أما الفئة الثالث فتتمسك بزمن النبي - صلى الله عليه وآله - لتنفي بحث المذاهب، وهم يطرحون موضوع الاجتهادات. ما هو تصور سماحتكم؟ الشيخ التسخيري: النسبية بمعنى أن الحقيقة موزعة بين المذاهب أمر لا معنى له؛ لأن بعض الاختلافات متناقضة، واجتماع النقيضين محال، أيضاً يعني إذا فتحنا باب الاجتهاد فظهور الاختلاف أمر طبيعي، ولا يعني أن شخصين مختلفين يقولان الحقيقة معاً، ولعل مذهباً يملك الحقيقة، غير أن المذهب الثاني ليس عنده منها شيء ولكنه معذور عند الله لأنه اجتهد وبلغ اجتهاده إلى تلك النتيجة، ولعل مذهباً يحتوي على جزء من الحقيقة، فلما كانت هذه الاحتمالات واردة ومطروحة لا يمكن أن نطلق كلمة الحقيقة عليهم كلهم، لأن معناه نفي النقيضين أو اجتماع النقيضين، طبعاً نحن نعتقد على أساس عصمة مصادر مذهب الشيعة بأن أقوالهم - عليهم السلام - تحتوي على كل الحقيقة، ولكن لا نتمكن الادعاء بأننا تمكنا من فهم كل أقوال المعصومين - عليهم السلام ـ، وبلغنا إلى حقيقة أقوالهم عليهم السلام النكتة الأخرى هي انه في صدر الإسلام أيضاً كانت هذه الخلافات موجودة بصورة طبيعية. رغم انه لا يمكن أن نعبر عنها بأنها اختلافات مذهبية، ولكن يمكن القول بأنها كانت نواة الاختلافات المذهبية، بعد تلك الحقبة الزمنية. ◙ إذا أدعى مذهب ما انه على الحق مطلقا فهل يبقى مجال للتقريب والوحدة؟ الشيخ التسخيري: يدعي كل مجتهد بأنه مطلع على جميع الأحكام، أو على (١٠٧) أقل تقدير عنده الحجة، ورغم ذلك فانه يحترم المجتهد الآخر؟ ! نحن نريد تعميم هذه العلاقات بين علماء الشيعة والسنة، هدفنا أن نبحث عن المجالات المشتركة ونسعى إلى تنميتها وتوسعتها، ونحاول التدقيق في فهم كل منا لحديث الآخر، والنتيجة هي أن نتخذ موقفا مشتركاً عملياً واحداً. ◙ لدينا أحاديث أن الشيعة قد تشرفوا بزيارة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وسألوه هل نتبرأ ممن لا يؤمنون بالولاية (بمعنى القيادة)؟ الشيخ التسخيري: كان جواب الأئمة - عليهم السلام - نهي الشيعة عن هذا الموقف وانهم: لا يحق لكم التبري منهم، نحن نكتفي منهم بهذا المقدار، بانهم يحبونا ولا يسبونا» والتبري من الذين لا يعتقدون بعقيدة الشيعة غير صحيحة وقد أشير إلى هذه المسألة في الروايات العديدة يعني أن الأئمة - عليهم السلام - منعوا الشيعة من التبري ممن لا يعتقدون بولاية أهل البيت - عليهم السلام - مكتفين بحدود المودة. ◙ يعتقد البعض بأن بحث الخلافة مسألة منسوخة ويقولون: ليس عندنا خلافة حتّى نتصارع عليها، وبدل أن نبحث عن أحداث مثل حديث الغدير من الأفضل أن نبحث حول حديث الثقلين، فما هو رأيكم بهذا الشأن؟ الشيخ التسخيري: أمامنا ثلاث مراحل. ١ - البحث التاريخ: فأنا لا نتمكن من تغيير التاريخ فلابد أن ندرس الأحداث التاريخية. ٢ - البحث الكلامي: في البحوث الكلامية يجب أن نذكر جميع الأدلة ونتبع ونسلم للدليل الراجح، وعليه يلزم فتح باب البحث في هذه المرحلة الكلامية. ٣ - مرحلة وحدة الأمة العملية: أشار المرحوم آية الله العظمى السيد البروجردي «قدس سره» بأنه يلزم عدم التطرق في مثل هذه الأمور إلى أنّه من هو الخليفة بعد النبي - صلى الله عليه وآله - لأننا إذا قلنا ذلك يجب أن يبقى السني سنيا والشيعي (١٠٨) شيعيا، فلا توجد صورة للجمع بينهما ولا معنى للوحدة، ولكن إذا ذكرنا مرجعية أهل البيت - عليهم السلام - العلمية، وركزنا البحث على هذه النقاط، بلان خلفاء الصدر الأول وعلماء الأمة الإسلاميّة على مدى التاريخي، وكذلك كل قطاعات الأمة الإسلاميّة في هذا اليوم قبلوا مرجعية أهل البيت - عليهم السلام - العلمية ففي هذه الصورة يستفيد جماعة أهل السنة أيضاً من مصادر أهل البيت العظيمة، وأقول كلمتي بصورة خاصة: يلزم عدم غلق باب البحوث التاريخية والكلامية بل يلزم فتحها. أما من جهة العمل فيلزم التأكيد في الوقت الراهن على القضايا المؤثرة بصورة اكثر ومنها التركيز والتأكيد على المرجعية العلمية لأهل البيت عليهم السلام، ولهذا الموضوع تأثير عملي، وكذلك تأثير وحدوي، وتأثير استفادة جمهور أهل السنة من مدرسة أهل البيت - عليهم السلام - والالتفاف حولها. ◙ هل يمكن أن نستخلص هذه النتيجة من حديثكم بأنه الأفضل أن يتم التأكيد في معنى الولاية على محور المحبة؟ الشيخ التسخيري: في البحوث الكلامية والتاريخية لنا الحرية في البيان ويلزم أن نطرح قضية الإمامة والقيادة بصورة دقيقة، أما في مرحلة العمل يمكن التركيز على حب أهل البيت؛ لأن محبة أهل البيت - عليهم السلام - سوف تجذبهم نحو مصادرها العلمية. ◙ إلاّ تتصورون أن الدعوة إلى المصادر العلمية لأهل البيت - عليهم السلام - تؤدي إلى الانحصار المذهبي وبالتالي ينتفي موضوع التقريب؟ الشيخ التسخيري: كلا، فكما أن القرآن الكريم هو ملك للأمة الإسلاميّة فكذلك أهل البيت - عليهم السلام - أيضاً «أني تارك فيكم الثقلين» كل الأمة مدعوة للاستفادة من القرآن وأهل البيت - عليهم السلام - وهذا الأمر لا يعني أن يترك اتباع المذاهب مذهبهم، وبموجبه فإن الاستفادة من هذين المصدرين الكبيرين والعظيمين اللذين خلفهما النبي الأعظم - صلى الله عليه وآله - للأمة يقضي على الانحصار المذهبي. (١٠٩) ◙ أحد فروع الدين حسب المذهب الشيعي، التولي والتبري. هل انهما يناقضان فكرة الوحدة الإسلاميّة؟ الشيخ التسخيري: يعدّ بحث التولي والتبري بحثين طبيعيين، فمن اعتقد بأمة أمام لابد أن يتبرأ من أعدائه ويوالي أحباءه، وليس التبري أن يتبرأ الفرد ممن لا يعتقد بمثل ما يعتقده هو؛ في «وسائل الشيعة» الباب الرابع عشر الذي يخص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نطالع الروايات التي تشير إلى هذا الموضوع. (عن أبي عبدالله - عليهم السلام - في حديث انه جرى ذكر قوم قال: فقلت له: أنا منهم ويستمر الامام ويقول: فهو ذا عندنا ماليس عندكم فينبغي لنا أن نبرأ منكم إلى أن قال فتولوهم ولاتبرأوا منهم أن من المسلمين من له سهم، ومنهم من له سهمان، ومنهم من له ثلاثة اسهم و…. » [٥] وبهذا الأسلوب الجميل والمنطق الحكيم يشير الإمام - عليه السلام - في هذه الرواية إلى شرط محبة أهل البيت - عليهم السلام ـ، الذي هو شرط مقتبس من القرآن: «قل لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودة في القربى» [٦]؛ أن محبة أهل البيت شرط إعلان الإسلام، وضرورة بديهية إسلامية، وأن عدم معرفة سائر المسلمين بمقدار معرفة الشيعة بالنسبة لأهل البيت - عليهم السلام - لا يكون موجبا للتبري، حينئذ يلزم أن نفترض أن المعنى الأصلي للتبري هي البراءة من أعداء الإسلام الأصيل ومدرسة أهل البيت عليهم السلام، وليس معناه أن نتبرأ من مسلم تقل معلوماته بالنسبة لأهل البيت - عليهم السلام - فإذا فسرنا البراءة بهذه الصورة من الممكن المحافظة على البراءة من أعداء الإسلام لنؤكد على قضية وحدة المسلمين ونحافظ عليها. ◙ نشاهد أحياناً في تبليغ المذهب أن المحور المطروح هو التبري. ما هو رأيكم في المجال المذكور؟ الشيخ التسخيري: يجب علينا أن نعرف بحقيقة التبري بين الجميع؛ وليس (١١٠) التبري طرد من لم يوافقنا الرأي، لقد دعونا المؤسسات التبليغية المختلفة في العالم إلى إيران، وتحدثنا معهم، ثم رافقناهم في زيارة القائد المعظم فاجتمع بنا وتحدث لمدة ساعتين وارشدهم ووجههم. يلزم أن ننسق في مجال التبليغ التنسيق اللازم مثلا في البلدان التي تحررت حديثا من السلطة الشيوعية أن نعرفهم بالإسلام قبل كل شيء أنا لا أؤمن بغلق باب البحوث الكلامية أو التاريخية، ورأيي أن نملك الشهامة لإجراء هذه القاعدة الذهبية المعروفة «نتعاون في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا في ما اختلفنا فيه». اني متفق مع كلام الكاتب العربي الإسلامي المعروف «الشيخ محمد الغزالي»: بأننا أوجدنا فراغا فنفذ الأعداء من خلاله؛ فإن كنا قد ملأنا هذا الفراغ لم يتمكن العدو من النفوذ إلى قلب الأمة الإسلاميّة، ولم ينجح في خططه ومؤامراته ضدنا. أنا الاحظ يد التفرقة للعدو واشعر بذلك يلعب العدو أحياناً دور الهجوم على المذهب وأحياناً على المذهب الآخر حتّى يزداد الصراع. ولقد شاهدنا هذا الأمر في باكستان وغيرها. ◙بصفتكم مسؤولاً عن المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة ما هي برامجكم؟ وأساسا كيف تقيمون أفق الوحدة الإسلاميّة والمذاهب؟ الشيخ التسخيري: المؤكد أن مجمع التقريب بين المذاهب الإسلاميّة مشروع نموذجي جميل طرحه القائد المعظم ولهذه القضية جذور في النصوص الإسلاميّة، وباعتقادي أن النشاطات جيدة لحد الآن، وقد وفق المجمع لنشر الفكرة في جميع أرجاء العالم الإسلامي، على رغم الضيق بالفكرة التي أعلنها المخالفون المتزمتون، وقد حاول مجموعة من السذج والبسطاء الوقوف بوجه هذه الحركة، ولكنها انتشرت بفضل الله وعونه، وقد أصبحت فكرة التقريب محترمة اليوم، والجميع يرغبون أن يقربوا أنفسهم من هذه الفكرة نحن نشاهد المجامع الكثيرة في البلدان الإسلاميّة مثل المغرب، الأردن، مصر والمملكة العربية (١١١) السعودية، يطرحون أنفسهم في المجامع التقريبية ويعملون دائماً على نشر هذه الفكرة، وحتى «المجمع العالمي للفقه الإسلامي ومركزه جدة ولجميع البلدان الإسلاميّة ممثلون في المجمع المذكور، وأنا أيضاً امثل الجمهورية الإسلاميّة والمذهب الشيعي، في ذلك المجمع، هذا المجمع أعلن أن أحد أهدافه التقريب بين المذاهب الإسلاميّة، كذلك منظمة (الايسيسكو) المنظمة الثقافية الكبيرة في العالم الإسلامي أعلنت بأن أحد أهدافها التقريب بين المذاهب الإسلاميّة. باعتقادي أن فكرة التقريب قد انتشرت ولكنه يلزمنا متابعة فكرة التقريب بين المذاهب بصورة أعمق واشد، حتّى تنتشر فكرة التقريب بين الجماهير المسلمة وتنتقل من العلماء إلى كافة طبقات الشعب، لدرجة أن ينظر المسلم الشيعي إلى المسلم السني بصفته الأخ الحقيقي، ونعتقد أن علماء الشيعة منذ صدر الإسلام وحتى الآن كانوا يؤكدون على الاخوة الإسلاميّة، والحمد لله أكد علماء أهل السنة على هذه المسألة، ومنهم سماحة الشيخ «شلتوت»، وبهذه النظرة نهدم الحواجز النفسية، وأما بالنسبة للمستقبل فأنا متفائل لدرجة كبيرة. وفي الختام نشكر لسماحتكم إجراء هذه المقابلة. أنا أدعو لكم بالتوفيق، وأود إبلاغ هذا النداء إلى جميع المخلصين الشيعة والسنة، فإنه لا يمكننا أن نجعل الآخرين يفكرون مثلنا فعلينا أن نطبق تلك القاعدة الذهبية، أي نأتي ونعمل في المجالات المشتركة لأننا مكلفون حتّى بالنسبة للحوار بين الأديان الأخرى، فنبحث عن المجالات المشتركة، بيننا، وثم نعمقها، وأما بالنسبة للاختلافات الموجودة فانه يقبل كل منا أعذار الطرف الآخر. إذا قبلنا بهذه القاعدة الذهبية «نتعاون في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا في ما اختلفنا فيه» وطبقنا لهذه القاعدة أتوقع بأن الله تعالى سيفتح لنا مستقبلا زاهراً. والسلام عليكم. (١١٢) ١ - سورة آل عمران، الآية ٦٤. ٢ - سورة الأنبياء، الآية ٩٢. ٣ - سورة المؤمنون، الآية ٥٢. ٤ - سورة الأنبياء، الآية ٩٢. ٥ - وسائل الشيعة، ج ١٦، أبواب الأمر والنهي، باب ١٤، ج، ٣. ٦ - سورة الشورى، الآية ٢٣.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• كلمة لابدّ منها
(بازدید: 1040)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• العالم الاسلامي و أسئلة النهضة
(بازدید: 989)
(نویسنده: عبد الله القمي)
• سبيل اخراج الامة
(بازدید: 725)
(نویسنده: محسن عبد الحميد)
• قيم التضامن و التكافل في التراث العربي و الإسلامي و أبعادها الإنسانية
(بازدید: 1162)
(نویسنده: محمد قجة)
• أهل البيت المرجع بعد الرسول - صلى الله عليه و آله -
(بازدید: 811)
(نویسنده: الشيخ جعفر السبحاني)
• الصراع الإسلامي - الصهيوني أحد محاور الوحدة الإسلاميّة \ بقلم التحرير
(بازدید: 1023)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• المذاهب الإسلاميّة الخمسة: تاريخ وتوثيق
(بازدید: 2039)
(نویسنده: نبيل علي صالح)
• المصلحة الإسلاميّة في منهج أئمة أهل البيت
(بازدید: 867)
(نویسنده: شهاب الدين الحسيني)
• الوحدة الدينية الخاتمة
(بازدید: 1045)
(نویسنده: السيد محمّد باقر الحكيم)
• دعاة تقريب نعم
(بازدید: 823)
(نویسنده: علي المؤمن)
• الحب و التقريب
(بازدید: 921)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• السنن الحَسنة
(بازدید: 907)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أمة إسلامية واحدة
(بازدید: 839)
(نویسنده: الدكتور محمود حمدى زقزوق)
• تجربة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة
(بازدید: 905)
(نویسنده: فهمي هويدي)
• تكريم روّاد التقريب
(بازدید: 875)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• دور العصبيات في إضعاف الكيان الاسلامي
(بازدید: 1250)
(نویسنده: عبد الكريم آل نجف)
• رأي في التقريب
(بازدید: 852)
(نویسنده: الشيخ عبدالله العلايلي)
• علاج الحواجز النفسية للتقريب بين المذاهب الاسلامية عند الشهيد الصدر
(بازدید: 1028)
(نویسنده: الشيخ محمد رضا النعماني)
• فرصة عظيمة و لكنها مهددة
(بازدید: 918)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• اخبار التقريب
(بازدید: 950)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
|