إرشاد و توجيه من الولي الفقيه
|
رسالة التقريب - العدد ١
خطابات
آية الله السيد علي الخامنئي
1413
إن يوم ولادة نبي الإسلام العظيم هو يوم تأمل وتدبر في البركات اللامتناهية لهذا المولود المكرم. ويمكن القول: إن أعظم بركات هذه الولادة العظيمة عبارة عن تقديم التوحيد والعدالة كهدية للمجتمعات البشرية. إن البشر في مجال الاعتقاد يتخبّطون في شباك الشرك حتى في عصرنا الراهن الذي هو عصر التقدم العلمي والرقي الفكري البشري الهائل ومن المعلوم حتى على مستوى الدول المتطورة ماديا أن عقيدة التوحيد مع كل ما يتبعها من بركات محتاجة إلى نورانية لا يمكن التوفر عليها إلاّ من طريق عقل يهتدي بالوحي الإلهي. ولقد أهدى النبي الأكرم هذا الأمر للبشرية كما فعل من سبقه من الأنبياء. إن الإيمان بالتوحيد له بركات وآثار على صعيد روح الإنسان وقلبه في طوال حياته، ولابد من التأمل فيها، كما لابد من السعي الحثيث للوصول إليها. والهبة الإلهية الأخرى التي جاء بها هذا المولود المكرم هي: العدالة. إن الإنسان الذي كان يعاني من انعدام العدالة من أول يوم سجله التاريخ لا يزال اليوم يعاني من نفس المشكلة ألا وهي: فقدان العدالة، هذه هي المعضلة الكبرى لدى البشرية. إن الدين الذي قدمه هذا المولود المكرم للبشرية يدعو الناس إلى النقاط المضيئة والحساسة في حياتهم من قبيل: التوحيد والعدل، وهما يمتازان بميزتين: أولاهما: أنهما للبشرية جمعاء، فكل من أراد يستطيع الاغتراف منهما. والميزة الأخرى: أنهما لا يختصان بزمان معين، بل لكل الأزمنة. واليوم يحتاج البشر إلى العودة للتوحيد الخالص وقانون العدالة الإسلاميّة. إن العلاج الذي قدمه الإسلام للبشرية لضمان العدالة هو قانون: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( [١] وهي دعوة إلى التقوى والورع، ونبذ بذور التمييز بين البشر على أساس القومية، والعرق، والدم، واللون، وما شابه ذلك. ولا تزال الدول المتقدمة في العالم والمتطورة من الناحية المادية تعاني من مسألة الأبيض والأسود للأسود ضوابط معينة، وللأبيض مميزات خاصة، لا زالت الحرب قائمة عندهم على أساس العرق، والدم، والقومية. كم من البشر زهقت أرواحهم في نيران حرب أشعلوها على خلافات قومية ووطنية مفتعلة ذهبت حقوقهم أدراج الرياح؟ اليوم البشرية في أمس الحاجة إلى نداء الوحدة، والتوحيد، والعدل، وهو النداء الذي يرفعه الإسلام والمسلمون. من هم الذين يعارضون قضية الوحدة هذه الأيام؟ إنهم المستكبرون الذين يستخدمون الفرقة، والشرك، والظلم لصالحهم، ويبنون وجودهم وفلسفة حياتهم على سياسة التمييز والتبعيض العنصري. إن قوى الاستكبار العالمي في هذه الأيام الذين يحملون شعار الدفاع عن الديمقراطية والمساواة بين أفراد المجتمع في الحقوق ومكافحة الاستبداد الحكومي - هم أنفسهم قد قضوا على الديمقراطية في العالم. إن من مبادئهم العملية هو تفضيل شعب على آخر، ومنطقة على أخرى، ودم على غيره. لقد رسخوا سطوة الاستبداد في الدنيا، وهم يديرون العالم كيف ما يشاؤون، هذا هو وضع البشرية في عصرنا الراهن. إن البشرية اليوم بحاجة ماسة إلى إطلاق صرخة كالتي أطلقها نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم، صرخة تدعو للتوحيد والعدالة بين البشر. نحن في إيران جعلنا هذا الأسبوع أسبوعا للوحدة، وإمامنا العظيم بما أنه كان يدعو دائماً إلى الوحدة بين المسلمين فقد لفت أنظار المسلمين أجمع، بل كل دعاة الحق في العالم إلى نداء الوحدة. أسبوع الوحدة، اسم مناسب جدا لهذه الأيام. إن فئات الشعب متحدة مع بعضها، وتسير باتجاه واحد وهو اتجاه الإسلام، وتحكيم الدين على الرغم من المؤامرات وبذور الفتنة التي يثيرونها هنا وهناك. لا يوجد في إيران الإسلاميّة أي فرق بين الشيعة والسنة، ولا بين القوميات المختلفة من فرس، وعرب، وترك، وتركمان، وبلوش، وكرد، وغيرهم، فإن شعبنا يقف كالجسد الواحد. لقد أصبح الشعب الإيراني حقا شعبا مثاليا ببركة الإسلام. إنه قدوة ناجحة في مقدمة سائر الشعوب الإسلاميّة، وإن الله سبحانه راض عنكم أيها الشعب الإيراني نتيجة تلبيتكم بصدق لنداء دينكم، وإمامكم العظيم. يجب أن تحفظوا هذه الوحدة. هذه الوحدة المهمة التي تمكنتم ببركتها أن تحققوا كل هذه الانتصارات. اعلموا: أن أعداء الإسلام يتربصون بكم الدوائر للنيل من وحدتكم، فكونوا إذن على حذر، لا تسمحوا لبروز الخلافات بينكم. حاذروا من الأمور الموجبة للخلاف، والتي يستطيع الأعداء أن يجعلوا منها مستندا لزرع الفرقة. على سبيل المثال يجب أن يحذر الشيعة وإخوانهم السنة من الخلافات المذهبية التي أساء الأعداء استغلالها لقرون متمادية، وكذلك بالنسبة للقوميات المختلفة يجب أن يعوا جيدا أن الأعداء قد قعدوا لهم بالمرصاد لعلهم يتمكنون من زرع بذور الفرقة بين القوميات الإيرانية التي عاشت مع بعضها على مر التاريخ. هذه أمور يحاول العدو أن يخترق من خلالها صف وحدتنا، ويزرع بيننا الفرقة والخلاف، ويجب أن تقفوا في وجه هذه المؤامرات. يريد العدو أن تمحى إيران من على وجه البسيطة. يريد العدو أن ينسف سلامة ووحدة الأراضي الإيرانية. يريد العدوّ أن لا يرى راية الإسلام ترفرف على رؤوس هذا الشعب، ويريد أن يرتقي سدّة الحكم أمثال النظام البائد وأعوانه وعملائه، إنّ العدوّ لا يروق له أن يرى راية الإسلام ترفرف على رأس هذه الأمة، إن الأعداء المستعمرين ليسوا مستعدين لان يروا شعباً مستقلاً معتمداً على ذاته، ومتوكلاً على الله، ومتكئاً على تعاليم الدين الإسلامي، لا يريدون مشاهدة شعب بهذه العظمة، ومتحسس لآلام ومتاعب المسلمين في مثل هذه المنطقة الحساسة من العالم. لقد رأى مرتكبو الجرائم في البوسنة والهرسك ومؤيدوهم تلك التظاهرات العارمة التي خرجتم بها في شوارع طهران والمدن الأخرى تأييداً لمظلومي البوسنة والهرسك. لقد رأوا تلك الجموع المهيبة، وقد أفزعتهم قطعاً وقفة الشعب الإيراني بعزم راسخ أمام إحدى القضايا العالمية. لقد كانت هذه التظاهرات مصداقاً لمن يلتزم بالحديث الشريف (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم) [٢]، مصداقاً بارزاً للاهتمام بأمور المسلمين. لقد التزمتم عمليا بهذا الحديث الشريف بكل ما أوتيتم من حول وقوة، فأبديتم اهتمامكم البالغ بأمور المسلمين في أوربا. إن الشعب الإيراني لم يكن يعرف شيئاً عن شعب البوسنة والهرسك. لم يكن شعبنا يعلم ماهية الساكنين في سراييفو، ونوع مشاعرهم وأحاسيسهم. لم تكن لنا علاقة بهم إلى أيامنا هذه، ولكن الذي دفع أمتنا إلى هذا العمل العظيم والاهتمام بأمورهم هو الإسلام فقط، والأحاسيس الإسلاميّة، والشعور بوجوب مساندة شعب مسلم يقاسي من الظلم. إذا رأى شعبنا أن من اللازم عليه أن ينزل إلى الشوارع فإنه يفعل، وعلى شكل حشود مليونية، وإذا شعر أن اللازم عليه أن يقدم العون المادي والمالي فإنه سيفعل، وإذا أدرك أن عليه أن يقدم على خطوات أكبر بغية إنقاذ إخوانه المسلمين فإن شعبنا سوف يكشف عن صدره ويستعد للمواجهة. هذا نموذج لأمة تؤمن بالوحدة الإسلاميّة والأخوة الإسلاميّة، والآن لو فرضنا أن كل الشعوب الإسلاميّة تصبح هكذا فما الذي سوف يحدث في الدنيا؟ إن هذا من نتائج الوحدة الإسلاميّة. والوحدة التي هي أعلى مرتبة من الوحدة التي تحصل بين أعضاء شعب ودولة واحدة هي وحدة الأمة الإسلاميّة، لو فسح حكام الدول الإسلاميّة المجال لشعوبهم للتعبير عن رأيهم وإظهار أحاسيسهم تجاه القضايا الدولية ووجهوا حركة شعوبهم فسوف يصلون إلى نفس المستوى الذي وصل إليه الشعب الإيراني، وحينها سترون بأنفسكم ماذا يحصل على الصعيد العالمي! لو كانت هكذا وحدة ومواساة وتضامن موجودة بين الشعوب الإسلاميّة هل كان الأعداء يجرأون على القيام بمحاصرة شعب البوسنة والهرسك الأعزل المظلوم بهذه الكيفية؟ وهل كانت المحافل الدولية تجرأ على تجاهل هذه القضية، وعدم اتخاذ رد فعل عملي تجاهها؟ حقا إن ما يحدث هذه الأيام أمر عجيب! فمع كل ادعاءاتهم الجوفاء بالدفاع عن حقوق الإنسان نجدهم إذا وصل الأمر إلى جماعة من المسلمين تصبح هذه الادعاءات قيد النسيان. ما هذا العداء الذي يكنه الأعداء وقوى الاستكبار العالمي للإسلام؟ إنها حرب صليبية يشنونها على الإسلام والمسلمين، بحيث يرى الإنسان آثارها ونتائجها في كل مكان ما هذه المظلومية التي يتعرض لها المسلمون في كل أرجاء العالم، وفي كل مكان يتسلط الأعداء فيه عليهم؟ من أي شيء نشأ هذا الوضع؟ لقد نشأ عن وجود الفرقة بين ا لمسلمين، والأمة الإسلاميّة والبلدان الإسلاميّة وهذه الفرقة والخلاف من فعل الأعداء، فالدول الإسلاميّة لا يوجد تضاد مصلحي فيما بينها. إن التكتل والتجمع مفيد للجميع، لا لمجموعة معينة. الدول الإسلاميّة الكبيرة تستفيد أيضاً من وجود تكتل إسلامي، وكذا تستفيد منه الدول الصغيرة والضعيفة والفقيرة. إن وحدة كهذه من صالح الجميع، فمن الذي يضر به وجود تكتل من هذا القبيل؟ من الذي يتضرر من اجتماع المسلمين؟ إنها تضر بالقوى التي تريد فرض أغراضها الفاسدة على المسلمين فالفرقة بين المسلمين تعود بالفائدة على القوى المستكبرة: كأميركا، وأقطاب السياسة الاستعمارية. لقد دعونا من أول يوم لانتصار الثورة الإسلاميّة إلى الآن جميع البلدان الإسلاميّة، والتكتلات الصغيرة إلى الوحدة. لم نكن نقول: تعالوا لنتحد حتى نستفيد نحن من تلك الوحدة. إذا كنا سعينا يوما ما للمحافظة على الأخوة والصداقة بين البلدان الإسلاميّة فليس ذلك لأن لشعبنا أو لدولتنا منفعة معينة في تلك الأخوة والصداقة، بل لأجل أن يستفيد من هذا التقارب كل العالم الإسلامي. وعندما ندعو للوحدة فالغرض من ذلك هو أن تنتفع كل الدول والشعوب، أن تنتفع الأمة الإسلاميّة جمعاء، إن نداءنا للوحدة الإسلاميّة أساس العزة والكرامة، واستقرار الجميع. الوحدة أمنيتنا. نحن نتمنى أن يصبح مليار مسلم يداً واحدةً حقاً، كذلك يجب أن تتحرك الدول والحكومات بهذا الاتجاه أيضاً بروحية واحدة وقلب واحد. إن عزتكم ورفعتكم أيها الشعب الإيراني كانت رهينة إسلامكم، وتضامنكم، ووحدتكم الإسلاميّة. إن العزة والقوة غير ممكنتين إلاّ في ظل التقوى، والتمسك بالقرآن، وعدم الخشية إلاّ من الله تعالى، ولو راعينا هذه الأمور فإن الله سبحانه سوف يكون ظهيراً لنا، سواء كان معنا الآخرون أم لم يكونوا، سنواصل هذا الطريق بفضل الله. ١ - الحجرات: ١٣. ٢ - أصول الكافي ٢: ١٦٣ / ط، طهران.
|
مقالات أخرى من هذا الكاتب |
• المؤتمر العالمي لدعم الانتفاضة
(بازدید: 698)
(موضوع: ملتقيات)
• الملتقى الدولى لتكريم الامام البروجردي و الامام شلتوت
(بازدید: 762)
(موضوع: ملتقيات)
• الهدنة
(بازدید: 868)
(موضوع: فقه)
• للأستاذ سيد قطب
(بازدید: 1023)
(موضوع: فكر إسلامي)
• نداءه إلى مؤتمر الأديان
(بازدید: 552)
(موضوع: نداءات)
|