وحدة الأمة و الدولة في الإسلام
|
رسالة التقريب - العدد ٢١
الوحدة الإسلامية
عبد العزيز الخياط
1419
في الحادي عشر من جمادي الاولى سنة ١٤١٩هـ زار العبد الصالح الامام الخامنئي جامعة إعداد الاساتذة وهي الجامعة المتخصصة لاعداد الباحثين والمدرسين في جامعات الجمهورية الاسلامية الايرانية، وتعرف بالفارسية باسم جامعة "تربيت مدرّس". وألقى في الطلبة كلمة هامة سلط فيها الضوء على مسائل فكرية حساسة ترتبط بالاستقلال الثقافي والحرية، وهي من المسائل التي اختلف فيها المثقفون، بل حتى الاسلاميون والسيد القائد يوضّح المفهوم الاسلامي في هذا المجال ويقارنه بالمفهوم الغربي. بسم اللّه الرحمن الرحيم أشعر اليوم بارتياح كبير، ويسعدني هذا اللقاء، لقد سبق لي طبعا أن أتيت الى هذه الجامعة في عهد رئاسة الجمهورية مرارا، لكن هذه الجلسة لها خصوصيتها التي تجعلني أتحسس حلاوتها بعمق. قبل شهرين أو ثلاثة أخبروني بوجود هذا الحفل، أظن أن السيد رئيس الجامعة طلب منّي أن أبعث نداء، أو أن يأتيني الاعزاء ليلتقوا بي، وأنا منذ ذلك الوقت قررت أن أحضر في هذه الجلسة وأشاهد عن كثب ثمار سنوات من جهود هذه الجامعة. هذه الجامعة قامت على أساس آمال واسعة. طبعا، جامعات البلاد بأجمعها لها الحق الكبير على الثورة والنظام وتطور العلم والثقافة في البلد، لكن هذه الجامعة جامعة أسستها الثورة، وبهدف إعداد الكفاءات العلمية، وإعداد الاساتذة - الذين تعهّدت الثورة تنشئتهم - لكل جامعات البلاد. ربّما لا يكون هذا الكلام مفهوما كثيرا لدى البعض اليوم وقد كثر - وللّه الحمد - الشباب المؤمن والخريجون الملتزمون في جامعات البلاد، لكن هذا الكلام كان له معنى كثير في السنوات الاولى من الستينيات (الهجرية الشمسية الموافقة للثمانينيات تقريبا من التاريخ الميلادي). حيث قد فضّل بعض الاساتذة ترك الجامعة وعدم التعاون مع الثورة، وبعضهم غادر البلاد، وبعضهم كان مهملا في عمله مما أثار شكاوى الطلاب الينا، طبعا كان أيضا المؤمنون والمخلصون في خدمة الجامعات، لكن توسيع نطاق الجامعات الايرانية تطلب تدبيرا أساسياً وتبلور هذا التدبير الاساسي في إقامة هذه الجامعة. واليوم أرى عدّةَ آلاف قد تخرّجوا من هذه الجامعة نساء ورجالا ولهم الدور الفاعل والحمد للّه في الجامعات. هذه ظاهرة تبعث على السرور والانشراح، وهي تجربة رائدة باقية. مسؤولية الجيل المثقف أيها الاخوة والاخوات الاعزّة: في هذا المجال أوجز كلامي بجملة واحدة وأقول: إن الجيل المثقف الجامعي يتحمل اليوم مسؤولية خاصة. بلدكم وثورتكم ونظامكم الاسلامي الكريم يمرّ بمرحلة تتطلب من كل أصحاب الفكر أن يبذلوا مساعيهم وأن يتعاونوا لاثراء هذا النظام وتعميق الافكار والمهارات. نحن اجتزنا مراحل صعبة، مرحلة الحرب، ومرحلة مابعد الحرب وكان لها ماكان من مشاكل وصعوبات. ومرحلتنا هذه هي المرحلة التي يجب فيها أن نهبّ - متوسلين بالعلم والمعرفة والبحث - لتجاوز مرحلة التخلف الموروثة من عهد الاستبداد الطويل في هذه البلاد، ذلك العهد الذي حالوا فيه دون تفتح الكفاءات، وحالوا دون بروز الهوية الاصيلة والحقيقية لهذا الشعب. واقترن استيراد البضائع الصناعية التي كانت نتيجة تطور العلم والصناعة في الغرب - بتبعية شاملة للغرب، أدخلوا البضائع الفكرية والثقافية الى هذا البلد، وأول ما فعلوه إفراغ الفئة المثقفة من الايمان بوجودها: بثقافتها… بعاداتها وتقاليدها… بعلمها… بكفاءات الجيل الايراني ومافي هذه الكفاءات من تفتّح وإشراق، وهذا الافراغ العقائدي قد فعل فعله خلال السنوات الطويلة. من يوم أن ورد البلاد هذا الفكر، فكر الاستهانة بكل ماهو ايراني، وأدّى الى تغلغل روح الهزيمة في أعماق النُخَب، ثم توفّر للغرب أن يقطف ثمار هذه الحالة، استغرقت العملية سنين طبعا، ولكنه نجح في النهاية، وكانت النتجية هذا التخلف الذي تشاهدونه في البلاد. مع وجود هذه الثروات الانسانية، وهذه الثروات المادية، وهذه المكانة الجغرافية الممتازة، وذلك التاريخ الساطع العلمي والثقافي، وهذا التراث العلمي الضخم، فانَ وضعَنا اليوم متخلف كل التخلف عما ينبغي أن يكون عليه في ميدان التطور العلمي والصناعي. حتى في مجالات التاريخ والجغرافيا والآداب بحث الاخرون أكثر مما بحثه علماؤنا، ولاتزال الكفاءات الايرانية لم تتغلب على مظاهر تخلفنا. طبعا منذ انبثاق الثورة حتى الآن حدثت معجزة، وهي الايمان بالذات ذلك الشعور بالضعف قد ولّى، ولكن المسألة تحتاج الى جهود. في السنوات الاولى للثورة خاصة السنوات الثماني من الحرب المفروضة كانت المشاكل كثيرة، واليوم فان مسؤوليتكم تفرض عليكم بذل المزيد من الجهود، من أجل عزّة الاسلام واستقلال ايران الاسلام، حقّقوا استقلال بلدكم في كل المجالات. الاستقلال لا يعني طبعا أن نغلق الابواب أمام الاستفادة من خارج حدودنا، ليس هذا معقولا، ولا يدعو أحد لذلك أبدا، أفراد البشر كانوا على مرّ التاريخ يستفيدون من بعضهم، غير أن هناك فرقا بين تبادل الافكار والآراء والثروات بين موجودين متكافئين، وبين تسوّل موجود من موجود آخر واستجدائه بذلّ وتحقير كما كان موجودا بدرجة وأخرى في ايران ما قبل الثورة. يجب أن تبلغوا بالبلد الى مكانته اللائقة، وهذه المسؤولية العظيمة يتحملها جيل الشباب المثقف المتعلم. وأنتم أيها الاخوة والاخوات الدارسون في هذه الجامعة، أعتقد أنكم تتحملون في هذا المجال مسؤولية أثقل وأسأل اللّه لكم مزيد التوفيق في هذا السبيل. طبعا هدفي بالدرجة الاولى أن أحضر بين جمعكم، وما كنت أقصد حتما طرح موضوع، ظننت أن بالامكان الحضور في حفلكم بالاستماع الى أسئلتكم والاجابة عنها. وهذا ما يسرّني ويشرح صدري. لكني ارتأيت بعد ذلك أن أتناول هنا بحثا له فائدة أيضا في أوضاع البلاد الراهنة، وكتبت بعض الملاحظات، وأطروحه عليكم بإجمال. مسألتان في قضية الحرية ثمة مسألتان في قضية "الحرية". وهذه القضية يروج الحديث عنها اليوم في الصحافة وبين أصحاب الاقلام، وهي ظاهرة مباركة. أن تطرح الافكار والآراء بشأن المسائل الاصولية والاساسية للثورة وتتحرك الافكار والاقلام لتدلي بدلوها أمرٌ كنّا نتوق اليه دوما، وكان موجودا بدرجة وأخرى بشأن مختلف المقولات، وهذه الظاهرة، موجودة اليوم أيضا، وأنا أتابع الى حدّ كبير ما يكتب وما يقال، وأستفيد من بعض ما يكتب ويقال. والآراء متضاربة، أي لا تنحو الكتابات منحى واحدا، ثمة نظرات متباينة. وفي جانبي التخالف يُرى كلام حق وصحيح، واستمرار هذه المناقشات مفيد أيضا. وليت كل أصحاب الاقلام هبّوا لتناول المسائل الاساسية في الصحافة، لينتشلوا الصحافة من حالة الضحالة، ويدفعوها الى إثارة موضوعات تبعث على التأمل والارشاد. نحن نوصي دائما بضرورة تعميق ثقافة الثورة، وعملية التعميق تتطلب هذه المناقشات الفكرية. الاولى: الاستقلال الفكري إحدى المسألتين اللتين أردت الحديث عنهما في مفهوم الحرية، هي أننا يجب أن نراعي الاستقلال - وهو واحد آخر من شعاراتنا - في حديثنا عن الحرية. أي أن نفكر تفكيرا مستقلا لا تقليديا تبعيا. لو أننا في هذه المسألة التي هي أساس كثير من مسائلنا قد قلدنا الآخرين، وفتحنا أعيننا فقط على نافذة الفكر الغربي، فاننا نكون قد ارتكبنا خطأ جسيما، وجنينا ثمرا مرّا. في البداية أذكر أن مسألة "الحرية" من المقولات التي أكد عليها القرآن الكريم ونصوص الحديث النبوي وكلام أئمة أهل البيت (عليهم السلام) مرارا. طبعا المقصود من حديثنا عن الحرية ليس هو الحرية المطلقة، إذ لا يوجد لمثل هذه الحرية مدافع في العالم. لا أظن أن أحدا يدعو الى الحرية المطلقة في العالم. وليس المراد أيضا الحرية المعنوية الموجودة في الاسلام وخاصة في المستويات الرفيعة للمعارف الاسلامية، ليس هذا محلّ بحثنا، الحرية المعنوية يؤمن بها كل من يعتقد بالمعنويات، وليست موضع ردّ وقبول. المقصود من "الحرية" التي نتناولها في حديثنا هو "الحرية الاجتماعية" … الحرية باعتبارها حقا إنسانيا في التفكير والتعبير والانتخاب وأمثال ذلك. هذه المقولة ذكرتها نصوص القرآن والسنة بتجليل. يقول سبحانه في الآية ١٥٧ من سورة الاعراف: (الذين يتبعون الرسول النبي الاميّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم). فاللّه سبحانه يذكر أحد خصائص نبيّه الكريم بأنه يضع عن الناس "الاصر" و"الاغلال"، والاصر يعني الالتزامات المفروضة على الانسان، مفهوم عجيب ووسيع !! لو نظرنا الى المجتمعات الدينية وغير الدينية في عصر الرسالة الاول لعلمنا أن الاصر يشمل كثيرا من العقائد الباطلة والخرافية، وكثيرا من القيود الاجتماعية الخاطئة التي فرضها الاستبداد أو التحريف أو التحميق على الناس. و"الاغلال" معناها معروف. جورج جرداق كاتب "الامام علي صوت العدالة الانسانية" يقارن بين عبارتين، الاولى لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والثانية لجناب الخليفة الثاني عمر بن الخطاب. رفعت على بعض الولاة شكوى للخليفة، فغضب الخليفة وخاطب هؤلاء الولاة بعبارة شهيرة قائلا لهم: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ !". وعبارة أمير المؤمنين وردت في نهج البلاغة حيث يقول "لا تكن عبد غيرك وقد خلقك اللّه حرّا". يقارن جورج جرداق بين العبارتين، ويذهب الى أن عبارة أمير المؤمنين تنطوي على شيء فريد هو ضمان التنفيذ، عمر يطلب من الناس أن لا يستعبدوا الآخرين، وعليّ يضع الحريّة جزءً من الفطرة التي فطر اللّه الناس عليها: "وقد خلقك الله حرّا"، ضمان التنفيذ قائمٌ في خلقة البشر، وسأشير الى ارتباط الحرية بالفطرة حين أقارن بين الفكر الاسلامي والفكر الغربي في هذا المجال. لا أريد اليوم أن أبحث بالتفصيل في هذه المسألة، ولو وفقني اللّه سوف أتحدث عن مقولة الحرية بأبعادها المختلفة وقت آخر، فهناك تفاصيل كثيرة في هذا المجال سأتناولها في مناسبة أخرى إن شاء اللّه. وأريد اليوم أن أتناول هاتين المسألتين فقط، وإحداهما الاستقلال الفكري في النظر الى الحرية. ذكرنا أن "الحرية الاجتماعية" بمعناها الموجود في القاموس السياسي اليوم لها جذورها في القرآن الكريم. من هنا لا نحتاج الى مراجعة الليبرالية الاوربية في القرن الثامن عشر، ونلهث وراء مايقوله "كانت" و"جون استيوارت ميل" وآخرون. نحن لنا كلمتنا ولنا منطقنا. سوف أذكر أن أقوال الغربيين لا تجدينا نفعا. اعتبروا مقولة "الحرية" مقولة اسلامية. تحرك يتعارض مع أسلمة الحريّة أعتقد أن ثمة مجموعتين تتحركان خلاف أسلمة "الحرية" وأصالتها الثقافية. مجموعة تلهج في حديثها عن الحرية بأسماء فلاسفة القرون الاخيرة الغربيين وتستشهد بأقوالهم، قال فلان وقال فلان. طبعا هؤلاء هم الشرفاء من هذه المجموعة، وثمة آخرون من هؤلاء المتفلسفين الصحفيين من ينتحل أقوال هؤلاء الفلاسفة الفرنسيين أو الألمانيين أو الامريكيين دون أن يذكروا أسماءهم. هؤلاء يزوّرون ويساهمون أيضا في إشاعة جوّ يجعل فكرة الحرية ومفهوم الحرية الاجتماعية، فكرة غربية، وهدية جاءتنا من الغرب. ومجموعة أخرى تساعد تلك الاولى من حيث لا تدري، وهي أولئك الذين ما إن سمعوا حديثا عن مفهوم الحرية حتى استولى عليهم الرعب والخوف ورفعوا عقيرتهم بـ"واديناه"!! لا، ليس الامر كذلك. الدين أكبر مناد للحرية. لماذا الخوف على الدين من الحرية؟ ! الحرية الصحيحة… الحرية المعقولة أهم معطيات الدين لشعب من الشعوب ولمجتمع من المجتمعات. ببركة الحرية تنضج الافكار وتتفتح المواهب. الاستبداد ضد الموهبة، أينما حلّ الاستبداد انعدم تفتح المواهب. الاسلام ينشد تفجير طاقات البشر. الطاقات البشرية العظيمة - مثل الطاقات الطبيعية المخزونة - يجب استخراجها لتستطيع عمار الارض. وهل يمكن أن يتحقق ذلك دونما حرية؟ ! هل يمكن ذلك بالامر والنهي؟ ! تفكير هذه المجموعة إذن خاطئ أيضا. هاتان المجموعتان - ولنسميهما المتغربين والمحتاطين - متعاونتان من حيث لا تعلمان، لاخراج مفهوم "الحرية" من الدائرة الاسلامية، بينما الامر ليس كذلك، ومفهوم "الحرية" مفهوم الاسلامي. ولابد أن أذكر هنا أن هذه الحرية المذكورة… الحرية الاجتماعية لها في الاسلام مكانة تفوق مكانتها في المدارس الغربية. هيجة باسم الليبرالية الليبرالية لها معان عديدة طبعا. منذ أن بدأت النهضة الاوربية وانتشر الفكر الليبرالي في فرنسا وأوربا ثم في أرجاء العالم، وأدّى الى نشوب الثورة الفرنسية، ثم استُخدم بشكله المنحرف في حروب الاستقلال الامريكية، وظهر الميثاق الامريكي - وكل هذه تحتاج الى حديث طويل - وحتى الآن ظهرت عشرات التفاسير لليبرالية. وفي السنوات الاخيرة بشكل خاص المنظّرون أو الايديولوجيون الامريكيون يواصلون الكتابة بكثافة في هذا المجال. وأضيف هنا أن كثيرا من هؤلاء المفكرين ليسوا بأمريكيين، هؤلاء يكتبون باشارة من الاجهزة الامريكية في هذا المجال خاصة في حقل الليبرالية. ربما تؤلف كتبهم في النمسا أو المانيا أو فرنسا لكنها تطبع في نيويورك، الطلب أمريكي والاهداف أمريكية، وهذا أيضاحديث ذو شجون. وأمام كل هذه التيارات الغربية تحتل النظرة الاسلامية مكانة شامخة في فهمها للحرية. هؤلاء الغربيون يواجهون مشكلة في إعطاء مضمون فلسفي للحرية. ماهي فلسفة الحرية؟ ماهي ضرورة الحرية للبشر؟ هذه الاسئلة تحتاج الى استدلال فلسفي. قيل الكثير في هذا المجال، قيل إن جذور الحرية تمتد الى مفهوم الفائدة، وقيل الخير الجماعي، وقيل اللذة الجماعية، واللذة الفردية، وأكثر ما قيل أنها حق من الحقوق المدنية. كل واحد من هذه التفاسير قابل للنقض، وهم أوردوا عليها النقض أيضا. لو نظرتم الى مانشر خلال السنوات الاخيرة من كتابات حول مقولة الليبرالية لعلمتم الحجم الهائل مما قيل من كلام في هذا المجال، ومعظمه مضيعة للوقت وعديم الفائدة وشبيه بجدل القرون الوسطى. هذا يدلي بدلوه، وذاك يجيب عليه، ثم يردّ هذا على الجواب، ويشكل بأجمعه ترفا فكريا لا بأس به لمثقفي العالم الثالث!! منهم من يؤيد هذه النظرية ومنهم من يؤيد تلك، هذا يكتب شرحا على استدلال، وذلك يكتب حاشية على شرح، وآخر يتقمص هذه النظرية، وينسبها لنفسه وهكذا!! ذروة ما ذكر في هذا القيل والقال أن الحق الانساني يشكل فلسفة الحرية ومنشأها. الاسلام قال أكثر من ذلك. قال: إن الحرية أمر فطري في الانسان كما ورد في النص المذكور. نعم إنها حق، لكنه حق يفوق سائر الحقوق. إنها مثل حق الحياة وحق المعيشة. وكما أن حق الحياة لا يمكن أن يكون مرادفا لحق المسكن والانتخاب و…. أمثالها، بل هو أساس لهذه جميعا، كذلك الحرية، هذا هو رأي الاسلام. طبعا، هناك استثناءات، يمكن سلب هذا الحق في مواضع معينة، تماما مثل حق الحياة، فالقصاص ينزل بالقاتل والمفسد كذلك حق الحرية، غير أن هذا استثناء. هذا رأي الاسلام. من هنا فمن الخطأ أن تتصوروا أن الحرية الاجتماعية فكرة أهداها الينا الغرب… وكلما أردنا القاء حديث حلو جذّاب عن الغرب نقحم في حديثنا أسماء مفكرين وكتب للغربيين، لا، لابد أن نكون مستقلين في فكرنا، لابد من الرجوع الى مصادرنا ومفاهيمنا. الانسان يمكن أن يستفيد من فكر الآخرين ليوسّع مداركه ويدعم نظرته، لا لأن يقلّد. الانغماس في التقليد له أضرار مابعدها أضرار. المشهود اليوم في هذا الوطيس الفكري والصحفي - الذي ذكرت أنه ظاهرة مباركة - عدم التفات الكثيرين الى هذا الاصل. المنطق الاسلامي والغربي وهنا أذكر بعض الفروق الاساسية بين الحرية في منطق الاسلام والحرية في المنطق الغربي. ذكرت أن الليبرالية حصيلة كل مافي هذه المدرسة من نظريات وتيارات. وقد يكون بين بعض النظريات والتيارات اختلاف في بعض الآراء، لكنها تجتمع في هذه الحصيلة. فـي المدرسة الغربية الليبرالية، حرية الانسان تخلو من حقيقة تسمى بـ"الدين" و"اللّه". لذلك لا يرون أن الحرية لها سند من الموهبة الالهية. لا يقول أحد منهم أن الحرية هبة اللّه للانسان، يبحثون لها عن منشأ وتفسير فلسفي آخر كما ذكرت. قدموا تفاسير فلسفية عديدة لمنشأ الحرية، وفي الاسلام "الحرية" لها جذور إلهية. هذا بنفسه تباين أساسي، ومنشأ كثير من ألوان التباين الاخرى. من هنا فان الحركة ضد الحرية - في منطق الاسلام - حركة ضد ظاهرة إلهية، أي إنها توجد في الطرف المقابل مسؤولية دينية. لكن الامر في الغرب ليس كذلك. من هنا فان النضال الاجتماعي المشهود في الساحة العالمية لا يقوم على أساس منطقي بناءً على التفكير الليبرالي الغربي، وإذا كانت جذور الحرية هي "الخير العام" أو "خير الاكثرية" مثلا، فلماذا التضحية بالنفس من أجل خير الاكثرية؟ ! هذا غير معقول وغير منطقي. طبعا الهيجان الموقت والآني قد يدفع الكثيرين الى ميدان الصراع الدامي، لكن هذه الهيجة ما إن تزول حتى يعود الشك الى كل أولئك الذين ناضلوا تحت لواء تلك الافكار ويسألون أنفسهم: لماذا التضحية بالنفس؟ ! في التفكير الاسلامي، ليس الامر كذلك، النضال من أجل الحرية هو نفسه مسؤولية. لانه نضال من أجل أمر الهي. كما لو أنكم رأيتم إنسانا يراد إزهاق روحه، فأنتم مسؤولون عن مساعدته، هذا واجب ديني، لو قصّرتم فيه لأذنبتم. وهكذا في مجال الحرية، لابد من الاقتحام للدفاع عنها، فهو واجب ومسؤولية. وعلى هذا التباين الاساسي تترتب ألوان التباين الاخرى. أحدها - أن الحرية في المدرسة الليبرالية الغربية غير محدودة، لأن الحقيقة والقيم الاخلاقية فيها نسبية. لا يمكنك الاعتراض على من ينتهك ما تؤمن به أنت من قيم أخلاقية، لانه قد لايكون مؤمنا بهذه القيم. من هنا فليس ثمة حدود للحرية. أي لاتحدها حدود معنوية وأخلاقية، لانه لا توجد في المنطق الليبرالي حقائق وقيم ثابتة، فكلها نسبية. و"الحرية" في الاسلام ليست كذلك، ففي الاسلام قيم ثابتة وحقائق مسلّمة. وإنما الكمال في الحركة نحو هذه الحقيقة، من هنا فان الحرية محدودة بهذه القيم. وكيف يمكن فهم هذه القيم، هذه مقولة أخرى، قد يخطئ البعض في فهمها، وقد يصيب آخرون. هذا الموضوع خارج عن بحثنا، على أي حال، "الحرية" محدودة بالحقيقة، ومحدودة بالقيم. هذه "الحرية الاجتماعية" بكل مالها من قيمة في الاسلام، تكون مضرّة لو استخدمت في إضاعة المعطيات المعنوية أو المادية لشعب من الشعوب. تماما مثل حياة الانسان: (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا). في منطق القرآن قتل الانسان بمثابة قتل الانسانية. وهذا مفهوم مدهش. من عمد الى قتل إنسان فكانه عمد الى قتل كل الانسانية، لانه اعتداء على حريم الانسانية. ولكن فيه استثناء: (بغير نفس أو فساد في الارض). إي الا أن يكون الشخص الذي يُعمد الى قتله قد قتل إنسانا أو ارتكب في الارض فسادا. انظروا كيف أن القيم والحقائق الثابتة الحتمية تحدّ من هذه الحرية، كما أنها تحدّ من حقّ الحياة. والفرق الآخر أن الحرية في الغرب تحدّها المصالح المادية. حدّدوا أولا للحريات الاجتماعية والفردية حدودا، وهذا أحدها، حين تتعرض المصالح المادية للخطر فان الحرية تقف عند حدّها. ومن هذه المصالح الماديّة مثلا التفوّق العلمي والسيطرة العلمية. فالحرية تفرض فتح باب العلم لكل من يريد أن يتلقاه، لكن هذه الحريّة تُحَدّ في الجامعات الغربية، ويُفرض حظرٌ على نقل العلوم والتقنية المتطورة التي يسمونها. HIGH TIC، لانها لو انتقلت فسوف تخرج من احتكار أصحابها، ويفقد أصحابها بذلك هيمنتهم المادية. فالحرية تحدّدت هنا، ولا يحق للاستاذ أن يعلّم طالب العالم الثالث الايراني مثلا أو الصيني المنطقة المحظورة من العلوم. حرية انتقال المعلومات والاخبار هي أيضا كذلك. ثمة هيجة في العالم اليوم بشأن حرية المعلومات والاخبار. يقولون دعوا الناس يسمعون، دعوهم يعلمون. هذه إحدى المحاور التي يركز عليها الغرب في موضوع الحرية. ولكننا رأينا أيام الهجوم الامريكي على العراق، في عهد رئاسة بوش، حظرا رسميا كاملا على كل أخبار الهجوم، وفخروا بقدرتهم على فرض هذا الحظر. قالوا: يمنع المراسلون من التقاط صورة أو إرسال خبر عن الهجوم الامريكي على العراق. خبر الهجوم سمعه الجميع، الامريكيون أنفسهم أعلنوا الخبر، لكن التفاصيل بقيت محظورة، مدعين بأن إذاعة التفاصيل يعرّض عملية الهجوم للخطر. إذن الامن العسكري قد حدّ من حقّ الحرية، وهو من الحدود الماديّة. استتباب السلطة حدَّ آخر. قبل سنوات ظهرت مجموعة في أمريكا ذاع خبرها في الاعلام وأنا اطلعت على تفاصيل أكثر مما نُشر، وهذه المجموعة تبنت اتجاها دينيا خاصا مضادا للحكومة الامريكية القائمة في عهد كلنتون. جرت محاولات لاختراق هذه الجماعة فلم تفلح، فحاصروا البيت الذي كان تتحصن فيه هذه الجماعة وأحرقوه على من فيه من الناس ويبلغ عددهم حوالى الثمانين، ونشروا صور الاجساد المحروقة وشاهدها الناس بأم أعينهم، وكان بينهم النساء والاطفال، وقد لايكون بينهم عسكريا واحدا. انظروا، حرية الحياة، وحرية العقيدة، وحرية النضال السياسي تقف عند هذا الحد، من هنا فان الحرية في الغرب لها حدود أيضا لكنها حدود مادية. القيم الاخلاقية هناك لا تشكل حداً للحرية. على سبيل المثال حركة الشذوذ الجنسي في أمريكا من الحركات الرائجة، ويتفاخر أصحابها ويتظاهرون، وينشرون صورهم في المجلات، ويتباهون بأن الشخصية الفلانية ورجل السياسة الفلاني من أعضاء هذه الحركة. لا ترى للخجل أثرا عليهم، ولا يأبي أحد منهم أن يعرفه الجميع. وأكثر من ذلك إذا تعرض لهم أحد فإنه يواجه أعنف الهجوم في الصحافة، ويوصم بأنه عدود لحرية هذه الجماعة. فالقيم الاخلاقية لا تُعدّ حدا للحرية أبدا. ومثال آخر من البلدان الاوربية. الدعاية لصالح الفاشية تحدّ حرية التعبير. وهو أمر مادّي وحكومي. لكن دعاية التعرّي - وهي حركة أيضا - لا تشكل حدا. أي إن حدود الحرية في الليبرالية الغربية، بتلك الفلسفة وبتلك الجذور الفلسفية وبتلك النظرة، حدود مادية، لا حدود أخلاقية. ولكن في الاسلام توجد حدود أخلاقية. في الاسلام - إضافة الى الحدود المادية - توجد حدود معنوية. طبعا في الاسلام أيضا من ارتكب عملا يتنافى مع مصالح بلده فحريته تحدّد. هذا شيء منطقي. ولكن توجد أيضا حدود معنوية. لو أن أحدا حمل عقيدة تتعارض مع الاسلام، فلا ضير في ذلك، أقول لا ضير في ذلك، لأن الحكومة الاسلامية لا تتحمل تجاهه مسؤولية، إنما حسابه على اللّه. في المجتمع المسلم يعيش اليهود والنصارى وأتباع الاديان الاخرى، وهم يعيشون اليوم في بلدنا، وكانوا يعيشون في صدر الاسلام. لامانع من ذلك. ولكن لو أراد واحد من هؤلاء الذين يحملون عقيدة تتعارض مع الاسلام أن يعمل بين البسطاء من الناس ويغريهم ويضلهم، فذلك ما يشكل حدا من الحدود، هنا تُحدّ الحرية. وهكذا مثلا لو أراد شخص أن يعمد الى إشاعة الفساد أي فساد كان سياسيا أو جنسيا أو فكريا، أو أن يعمد نفر من هؤلاء المتفلسفين الى كتابة مقال بشأن أضرار التعليم العالي للشباب !! وبيان معايبه. طبعا مثل هذا الكلام لا يؤثر في تسعين بالمائة من الشباب، ولكن قد يتأثر عشرة بالمائة من الكسالى، من هنا فلا يجوز السماح لمثل هذه الكتابات أن تخرّب المعنويات العلمية لشبابنا. الحرية ليست نشر الاكاذيب، الحرية ليست نشر الاشاعات، الحرية ليست الارجاف. أنا أعتب على أولئك الذين يكتبون عن الحرية دون الرجوع الى مفاهيم الاسلام ومصادر الاسلام. يقول سبحانه في الآية ٦٠ من سورة الاحزاب: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنُغريَنّك بهم). فالذين في قلوبهم مرض والمرجفون ذكرتهم الآية الى جانب المنافقين. و"المرجفون" هم الذين يبثون الخوف والرعب في نفوس المسلمين. وكان هؤلاء المرجفون يعملون في المجتمع الاسلامي الوليد المحاط بألوان الاخطار والأعداء، ويتغلغلون داخل صفوف الامة التي عبّئها القرآن وعبّئها نبي الاسلام وجعل منها أمة مدافعة مضحية، لبثّ روح الخوف والجبن واليأس بين الناس، وليعملوا كالجذام في إضعاف معنويات الامة. ولو لم يكفّ هؤلاء عن إرجافهم "لنغرينك بهم". أي نسلطك عليهم. هذا حدّ الحرية. إذن الحرية في الاسلام تختلف عن الحرية في المفهوم الغربي في كونها محدودة بالقيم المعنوية. الثانية: الحرية والتكليف ثمة تباين آخر هو أن الحرية في الفكر الليبرالي تتعاض مع "التكليف" بينما الحرية في المفهوم الاسلامي تشكل الوجه الآخر لعملة "التكليف". أساسا الناس أحرار لانهم مكلفون. لو لم يكن مكلفين ما احتاجوا الى الحرية، وكانوا كالملائكة. وعلى حد قول جلال الدين الرومي: جاء في الحديث أن الخلاق المجيد *** خلق العالم على ثلاثة أنواع مجموعة كل وجودها عقل وعلم وجود *** وتلك هي الملائكة التي لا تعرف الا السجود [١] يختص البشر بأنه مجموعة من الدوافع والغرائز المتضادة، وهو مكلف أن يطوي طريق كماله من خلال هذه الدوافع المختلفة. منح الحرية ليطوي طريق كماله من خلال هذه الدوافع المختلفة. منح الحرية ليطوي طريق الكمال. هذه الحرية بهذه القيمة من أجل التكامل، كما أن حياة الانسان من أجل التكامل: (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون) والعبودية هي ذروة الكمال. والحرية أيضا مثل حق الحياة، مقدمة للعبودية. وفي الغرب، تمادوا في رفض "التكليف" حتى لم يعد هذا الرفض مقتصرا على الافكار الدينية، بل شمل حتى الافكار غير الدينية وكل الايديولوجيات التي تنطوي على تكليف، وعلى واجب وحرام، وعلى ما ينبغي وما لا ينبغي. والآن نرى في كتابات هؤلاء الليبراليين الامريكيين وشبه الامريكيين وأتباعهم وأشياعهم ومقلديهم في البلدان الاخرى ومنهم فئة مع الاسف في بلادنا يقولون: التفكير الغربي الحر يتعارض مع مبدأ "ينبغي ولا ينبغي" ومع مبدأ وجود الايديولوجية. الاسلام يقف في النقطة المقابلة لذلك تماما. الاسلام يعتبر حرية الانسان مقرونة بالتكليف، ليستطيع الكائن البشري بهذه الحرية أن ينهض بأداء تكاليفه بشكل صحيح… لينهض بالاعمال الجسام، ويتخذ القرار الكبير، وليصل الى التكامل المنشود. من هنا فان وصيتي الاولى لاولئك الذين يكتبون ويناقشون أن يكونوا مستقلين في مفهوم الحرية، وأن يتجنبوا التبعية في تفكيرهم. وتوصيتي الثانية أن يتجنبوا استغلال الحرية لمقاصد سيئة. حرية الصحافة كانت قائمة دائما في ايران الاسلام أرى أن البعض يلهج بعبارة: حرية الصحافة التي تحققت أخيرا…. هذا كلام غير واقعي في اعتقادي. إنه من إلقاءات الاذاعات الاجنبية. طبعا الآن تظهر في الصحافة موضوعات فيها تعريض. بعض كتّابها لم يكونوا يفعلون ذلك من قبل، وبعضهم كان يفعل ذلك. في السنوات السابقة طالما شاهدنا في الصحافة تعريضا برئيس الجمهورية والمسؤولين بل حتى ببعض الموضوعات الاصيلة للثورة. ولا أحد يمنعهم. وفي ذهني الآن نماذج كثيرة من ذلك، ولولا خشية الاطالة لذكرتها. وأنا قبل بضع سنين طرحت موضوع الهجوم الثقافي، وأثار الموضوع أحاديث كثيرة، ولعلكم تذكرون أن تلفزيون الجمهورية الاسلامية عقد جلسات حوار حول هذا الموضوع. وفي إحدى هذه الجلسات كان أحد المشاركين يؤيد ماذهبت اليه في موضوع الهجوم الثقافي وكان عدد منهم يرفض ذلك تماما، ويعتبره باطلا وخيالا، ولم يمنعهم أحد من إعلان رأيهم. نعم، كان هناك من أصحاب الماضي الاسود والملوثين مَن يخاف الولوج في ساحة الصحافة. طبعا لو كان هؤلاء قد تقوّلوا أيضا لما تعرّض لهم أحد، لكن الخوف من ماضيهم كان يمنعهم. كانوا مكشوفين في حقدهم على الثورة والامام والفكر الاسلامي الامامي منذ القدم. ولذلك لم يجرأوا على دخول الساحة. بعد انتخابات رئاسة الجمهورية الاخيرة، ظهرت في ذهن هؤلاء تحليلات خاطئة، جرّأتهم على الكلام. وتحليلهم الخاطئ يتمثل في تصورهم أن ثلاثين مليونا من الناس قد أدلوا بأصواتهم ضدّ النظام، ففرحوا بذلك. بينما أدلى ثلاثون مليونا بصوته لتثبيت النظام. من مفاخر النظام الاسلامي أنه بعد مرور ثمانية عشر عاما على انتصار الثورة يشترك ثلاثون مليونا من أصل اثنين وثلاثين مليون ممن لهم حق التصويت، أي حوالي تسعين بالمائة، في الانتخابات. هؤلاء انقلبت الصورة في ذهنهم فخالوا نقطة قوّة النظام نقطة ضعف له. طبعا كانت البداية من الاذاعات الاجنبية، منذ الايام الاولى للانتخابات طبّلت وزمّرت بأن ثلاثين مليون ايراني أعلنوا سخطهم على النظام، وكان هدف هذه الاذاعات الايقاع بالاذهان المستعدة لمثل هذا الخطأ والانحراف، وهؤلاء المساكين صدّقوا، أو خدعوا أنفسهم، فحسبوا أنهم الآن بين ثلاثين مليون معارض، وتجرأوا على إعلان معارضتهم. بينما الامور لم تختلف. في ذلك الوقت كان المذنب والمتجاوز للحدود المنطقية يحاسبه القانون، واليوم أيضا إذا أراد شخص أن يُضل أو يفسد أو يرجف فالامر بشأنه كذلك. لم يختلف الامر. من هنا فلا ينبغي تكرار عبارة: الحرية التي تحققت أخيرا!! وأرى بعض المسؤولين يخاطبون الصحافة كرارا بالطلب منهم أن لا يكثروا من الاستفادة من الحرية، كي لا تتعرض الحرية للخطر! ماهذا الكلام؟ ! كلما ازدادوا استفادة من الحرية كان ذلك أفضل، ولكن على أن لايتجاوزوا الحدود. كلما استفاد الافراد أكثر من حقهم الالهي الموهوب، فان خطى النظام الاسلامي تسير أسرع نحو الاهداف المنشودة. كان عتبنا دائما على الكتاب أنّ لماذا لا يكتبون، لماذا لا يحللون، لماذا لا يحققون. يجب مراعاة الحدود الصحيحة. وهذه الحدود ليست بالتي يفرضها النظام لتحقيق مصالحه. وإذا كانت هناك حكومات تفرض حدودا للحريات من أجل صيانة مصالحها، فالجمهورية الاسلامية ليست كذلك. نظام الجمهورية الاسلامية يقوم على العدالة. لو أن القائد في الدولة الاسلامية تخطّى حدود العدالة يسقط من القيادة بشكل تلقائي وبدون حاجة الى عامل آخر. وفي مثل هذا النظام لا معنى لوضع حدود من أجل تحقيق مصالح فئوية أو مهنية أو اتجاهات خاصة حكومية. لا، الحدود هي الحدود الاسلامية. هي نفسها التي تقررت في القرآن والسنة والفهم الصحيح للدين. هذه هي المقبولة والتي يجب أن تراعى. وإذا تخطاها أحد فان المسؤولين يجب أن يعملوا بواجبهم، مسؤولو القضاء ووزارة الثقافة والارشاد… مكلفون أن ينهضوا بواجبهم والا كانوا مقصرين ومذنبين. مكلفون أن يراعوا حرمات هذه الحدود. وداخل هذه الحدود - والحدود كما ذكرت استثناءات - لابد أن يكون مبدأ الحرية بكل جماله ولمعانه هو الحادي للحركة. أنا لا أوافق على تكرار هذه التصريحات غير المسؤولة. وما أستطيع أن أوجزه اليوم من كلامي هو أن مقولة "الحرية" مقولة اسلامية، وعلينا أن نفكر فيها بمنظار اسلامي، وأن نؤمن بنتائجها باعتبارها حركة اسلامية وتكليفا شرعيا. ولنقدّر هذه الايجابيات التي تغمر مجتمعنا والحمد للّه، وأن نستفيد منها أكثر ما يمكن أن نستفيد. على أصحاب الفكر والقلم أن يبذلوا الجهد على هذا الطريق. بعض الدراسات تتطلب إطارا تخصصيا، ويجب تناولها في المدارس والجامعات والدوريات الخاصة. وبعضها ليست كذلك ويمكن أن تكون موضع استفادة الجميع، ولابد من طرحها بشكل عام لتعميم الفائدة. أسأل اللّه سبحانه أن يوفقنا لنشهد كل ما يدفع بعجلة هذا النظام نحو التفتح، ويغدق على هذا الشعب الكبير العزيز بمزيد من التوفيق والنجاح. وأنتم أيها الأعزّة الجامعيون، وخاصة الشباب الذين تعلق عليهم آمال المستقبل، لكم الدور الكبير في هذا التفتح والتوفيق. والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ١ - در حديث آمد كه خلاق مجيد *** خلق عالم راسه گونه آفريد يك گروه را جمله عقل وعلم وجود *** آن فرشته است نداند جز سجود
|
مقالات أخرى من هذا الكاتب |
• أسس الحوار الاسلامي - الاسلامي
(بازدید: 1350)
(موضوع: الوحدة الإسلامية)
• الحضارة و الثقافة الإسلاميّة
(بازدید: 477)
(موضوع: حضارة)
• حقوق الإنسان في الإسلام و الإعلان العالمي
(بازدید: 1811)
(موضوع: فقه)
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• كلمة لابدّ منها
(بازدید: 1040)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• العالم الاسلامي و أسئلة النهضة
(بازدید: 989)
(نویسنده: عبد الله القمي)
• سبيل اخراج الامة
(بازدید: 725)
(نویسنده: محسن عبد الحميد)
• قيم التضامن و التكافل في التراث العربي و الإسلامي و أبعادها الإنسانية
(بازدید: 1162)
(نویسنده: محمد قجة)
• أفكار حول التقريب و الوحدة
(بازدید: 1243)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
• أهل البيت المرجع بعد الرسول - صلى الله عليه و آله -
(بازدید: 811)
(نویسنده: الشيخ جعفر السبحاني)
• الصراع الإسلامي - الصهيوني أحد محاور الوحدة الإسلاميّة \ بقلم التحرير
(بازدید: 1023)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• المذاهب الإسلاميّة الخمسة: تاريخ وتوثيق
(بازدید: 2039)
(نویسنده: نبيل علي صالح)
• المصلحة الإسلاميّة في منهج أئمة أهل البيت
(بازدید: 867)
(نویسنده: شهاب الدين الحسيني)
• الوحدة الدينية الخاتمة
(بازدید: 1045)
(نویسنده: السيد محمّد باقر الحكيم)
• دعاة تقريب نعم
(بازدید: 823)
(نویسنده: علي المؤمن)
• الحب و التقريب
(بازدید: 921)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• السنن الحَسنة
(بازدید: 907)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أمة إسلامية واحدة
(بازدید: 839)
(نویسنده: الدكتور محمود حمدى زقزوق)
• تجربة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة
(بازدید: 905)
(نویسنده: فهمي هويدي)
• تكريم روّاد التقريب
(بازدید: 875)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• دور العصبيات في إضعاف الكيان الاسلامي
(بازدید: 1250)
(نویسنده: عبد الكريم آل نجف)
• رأي في التقريب
(بازدید: 852)
(نویسنده: الشيخ عبدالله العلايلي)
• علاج الحواجز النفسية للتقريب بين المذاهب الاسلامية عند الشهيد الصدر
(بازدید: 1028)
(نویسنده: الشيخ محمد رضا النعماني)
• فرصة عظيمة و لكنها مهددة
(بازدید: 918)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
|