الوحدة الإسلاميّة معالمها و أعلامها
|
رسالة التقريب - العدد ٢١
الوحدة الإسلامية
الشيخ واعظ زاده الخراساني
1419
تمهيد شاعت بين المصلحين ودعاة الوحدة كلمات مثل: الوحدة الإسلامية أو الإتحاد الإسلامي والأمة الواحدة الإسلامية أو الجماعة الإسلامية، والأخوة الإسلامية أو التآلف بين المسلمين والتقريب بين المذاهب الإسلامية. وهذه الكلمات والتعابير - مع الاعتراف باشتراكها في المغزى والهدف - وهو تقارب المسلمين وتآلفهم - إذا تأملنا فيها، وأعطيناها حقها من الدقة والاعتبار فلكل منها مفهوم خاص يختلف عن غيره بقليل أو كثير. فالوحدة الإسلامية، أو الاتحاد الاسلامي عبارة عن وحدة كلمة الأمة تجاه قضاياها الأساسية وأهدافها المشتركة ووقوفها صفا واحداً أمام الأعداء، وهي الغاية القصوى للمصلحين في العالم الإسلامي وسنتداولها بالبحث بتشعّب أقسامها واختلاف صورها. أما الأمة الواحدة - أو الجماعة الإسلامية - فتحمل في جوهرها علاوة على وحدة الكلمة والصمود أمام الأعداء وحدة جماعية إلى جانب الأمم الأخرى يحسن التعبير عنها بالقومية الإسلامية. فالمسلمون لهم جنسية إسلامية، قوامها الإيمان بالله ورسوله والتسليم لهما، ولهم وطن واحد، وسلطان قائم بذاته تحت قيادة واحدة، ولهم ثقافة ملموسة، وتقاليد مرسومة، مصدرها الكتاب والسنة. وأما الأخوة الإسلامية، فهي - تبدو في النظرة الاولى - تعبير عن الجانب العاطفي والتعاطف الروحي بين المسلمين باعتباره تشديدا للعلاقة بينهم وتبادلا للمحبة بين قلوبهم محبة الأخ للأخ. وقد قام النبي في بداية الهجرة بعد أن أعلن أن المسلمين أمة واحدة - كما يأتي - بعقد الأخوة بين المهاجرين والأنصار، قال ابن إسحاق: وآخى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال لهم: "تآخوا في اللّه أخوين أخوين، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب. فقال: هذا أخي" ثم ذكر ابن إسحاق مؤاخاة الآخرين بعضها بين مهاجري وأنصاري، وبعضها بين مهاجري ومهاجري" [٢]. وينبغي أن لا ننسى تلك البشارة التي بشر بها النبي أصحابه قبيل الهجرة قائلاً: "إن الله قد جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون بها" [٣] فهاجروا إلى يثرب أرسالاً، واثقين بأن الله سوف يحقق لهم هذه البشارة، بشارة هؤلاء الإخوة وتلك الدار. وهؤلاء الإخوة كانوا يتاورثون فيما بينهم بهذه الأخوة، حتى نزلت: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه) [٤] فتحولوا إلى التوارث بالأرحام. ثم أعلن الله تعالى في كتابه: (إنما المؤمنون إخوة) [٥] فارتقى عقد الأخوة بين اثنين اثنين من المهاجرين والأنصار إلى الأخوة بين جميع المؤمنين، فإذا كانت الأخوة بينهم عهداً أو عقداً من الله ورسوله، فهي - إضافة الى مفهومها العاطفي - حق له أحكامه ومسؤولياته، وحينئذ تستتبع الأخوة الإسلامية حقوقا وتضع مسؤولية كبيرة على عاتق المسلمين أمام بعضهم البعض في شتى أمورهم يعبّر عنها قول النبي (صلى الله عليه وآله): "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم" إلى غيرها من إرشاداته القيمة في سبيل إرساء أساس الأخوة الإسلامية بمفهومها الحقوقي المشار إليه. فهذه الأخوة العامة بين المسلمين أخوة شرعية نظير الأخوة الرضاعية التي لها أحكامها في الزواج. وأما الائتلاف بين المسلمين فهو تعبير عن الجانب العاطفي فحسب لا يثبت بمجرده حقا فلا مسؤولية بينهم. وأما التقريب بين المذاهب الإسلامية فتعبير عن بذل الجهود العلمية في سبيل إزالة الفوارق التي باعدت بين المذاهب الإسلامية وأئمتها وأتباعها، وجعلتهم ينظرون إلى المذاهب كأنها أديان مختلفة وكأن أتباعها أتباع أديان وأمم شتى وليسوا أمة واحدة. وكذلك تحسين العلاقة بين الأئمة وعلماء المذاهب وتكوين الجو الهاديء والتعارف بينهم على أساس المشتركات بين المذاهب التي تشكل تسعين بالمائة أو أكثر، ليتبادلوا الآراء فيما اختلفوا فيه - وهي أقل من المشتركات بكثير - ولاسيما المسائل الفقهية والأصولية وغيرها مما سنبحثها فيما يأتي ونعطيها حظاً أوفى. وفي رأينا أن الآيات ١٠١ الى ١٠٣ من سورة آل عمران تشمل جميع هذه المفاهيم التي ذكرناها لتلك الكلمات وهي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)، (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا…. ). فالخطاب: يا أيها الذين آمنوا - كما سنوضحه - إشارة إلى القومية الإسلامية إلى جانب أقوام اليهود والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين، قوامها الإيمان بالله ورسوله والتسليم لهما مع تقوى الله - كما قال: (واتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون). والاعتصام بحبل الله هو الوحدة المنشودة بين المسلمين، ووقوفهم أمام الأعداء، والاجتناب عن التفرقة، والتعامل مع المسائل التي اختلفوا فيها برفق، وبالتركيز على المشتركات - وهي حبل اللّه - والتحذير من التفرّق، والاعلان عن التأليف بين القلوب والأخوة بين المسلمين باعتبارها نعمة من اللّه تبارك وتعالى. معالم الوحدة الإسلامية وإذ قد تم شرح كلمات شاعت بين الناس بشأن الوحدة الإسلامية نبدأ الحديث حول "معالم الوحدة"، ونريد بها أصول الوحدة وأركانها ومقوماتها التي لا تتم الوحدة الإسلامية، ولا تستقر على قرار، ولا تقوم على ساق إلا بها وأهمها أمور: ١ - القومية الإسلامية، أو الأمة الواحدة الإسلامية وقد نطق الكتاب والسنة بها ودعا إليها وأكدا على توثيقها. قال تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) [٦] وفي آية أخرى: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) [٧] فقد خاطب اللّه المسلمين بأنهم أمة واحدة في ظل ربوبية اللّه التى تلزمهم عبادته وتقواه، وأن هذه الأمة قوامها الإيمان بالله والتسليم له. وهناك من المفسرين من وجه الخطاب إلى الأنبياء المذكورين قبله، ففهم من الآيتين أن منهج الأنبياء واحد، وهو الإيمان بربوبيته والتسليم لطاعته، وهي تعبير عن وحدة الأديان السماوية الشاملة للمسلمين وغيرهم من أهل الكتاب، فهي وحدة أوسع من وحدة الأمة الإسلامية. جدير بالذكر أن الأمة والإمام من مادّة واحدة، قوامها الاتّباع، فبينها نوع من التلازم والمناسبة فالإمام من له أتباع، والأمة هي الجماعة الذين يتبعون إماماً، فالجماعة المتشتتة الأهواء، الذين ليس لهم إمام ينقادون له لايقال لهم "أمة". ومن هذا المنطلق تختص هذه الكلمة بأهل الأديان والنحل فأتباع كل نبي أمة برأسها كأمة موسى، وأمة عيسى، وأمة محمد صلوات اللّه عليهم. وقد جعلهم القرآن أمماً شتى، وسمى كل واحدة باسم فقال: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون) [٨] وفي آية أخرى: (…. والنصارى فلهم أجر هم عند ربهم ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون) [٩]. وفي ثالثة: (…. والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن اللّه يفصل بينهم يوم القيامة، إن اللّه على كل شيء قدير) [١٠]. فقد عبر القرآن في هذه الآيات عن الأمة الإسلامية بـ "الذين آمنوا" إلى جانب سائر الأمم من أتباع الأنبياء وغيرهم. بل أعلن أنها خير الأمم: (كنتم خير أمة أخرجت للناس…) [١١]. بما لهم من المميزات والقيم التي ذكرها في كتابه. وعندنا أن "الذين آمنوا" في الخطابات القرآنية رمز إلى هذه القومية الإسلامية التي نعبّر عنها بالمسلمين. وهذه التسمية أيضا أصلها من اللّه إذ جاء في القرآن (هو سماكم المسلمين من قبل) [١٢] استجابة لدعاء إبراهيم (عليه السلام) إذ قال: (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) [١٣] وهذه التسمية رمز إلى أن أمة الإسلام أمة التسليم أمام اللّه والسلم والسلام أمام الناس. هذه نصوص قرآنية بشأن القومية الإسلامية وأما السنة فقد أعلن النبي بها في وثيقة مهمة، وهي كتاب كتبه بين المهاجرين والأنصار لدى هجرته إلى يثرب جاء فيه: "هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس…. " [١٤] تأمل قوله (عليه السلام): (إنهم أمة واحدة من دون الناس) أي إلى جانب الناس من اليهود والنصارى والمشركين وغيرهم. ومن هنا نقول: إن الإعلان عن تأسيس وظهور الأمة الواحدة الإسلامية جاء متزامنا مع الهجرة النبوية التي كانت بدورها إيذانا بتشكيل الحكم الإسلامي، والذي أقامه النبي (عليه السلام) لدى وصوله يثرب التي سميت فيما بعد بمدينة الرسول ثم أطلق عليها "المدينة" من دون إضافة إلى الرسول لشهرتها. وكان من دعائم هذا الحكم الجديد الإلهي أن المهاجرين والأنصار وجميع من كان معهم وجاهد معهم يشكلون أمة واحدة. ومن هذا المنطلق يصح لنا القول بأن قيام الحكم الإسلامي له دخل في مفهوم الأمة الواحدة الإسلامية تسجيلا لمعنى الطاعة والتسليم إطلاقاً وتعميماً للحكم. وأن فيها معنى الاتباع للنبي القائد - ومن قام مقامه - في كل ما يأمر وينهي ومن أهمها الشؤون السياسية. وتكثر الشواهد من الكتاب والسنة على اهتمام الرسول باستقلال أمته وقيامها بذاتها في أمورها وتحذيره أمته من اتباع الآخرين في تقاليدهم وآدابهم والاختلاط بهم وموالاتهم مما يطول الكلام بذكرها. ويخطر بالبال أن كل من عبر من المصلحين والقادة في عصرنا عن المسلمين باسم "الجماعة الإسلامية" فقد رام التركيز على هذه القومية الإسلامية والأمة الواحدة التي فرضها اللّه ورسوله على المسلمين. ونعتقد أن تكرار صيغة الجمع بكثرة، تعبيراً عن المؤمنين في الخطابات القرآنية، وفي الأدعية والأذكار والعبادات وفي طليعتها سورة الحمد التي يقرؤها كل مسلم في صلاته ليل نهار مرات مخاطبا اللّه: (إياك نعبد واياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم) هذه الصيغة تمرين وتدريب لفكرة الأمة الواحدة والقومية الإسلامية، ومصداق لقوله تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) بالجمع بين القومية الإسلامية وعبادة اللّه تعالى. وقد جاء في دعاء الإمام السجاد علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام): "اللهم صلّ على محمد وآله، وحصّن ثغور المسلمين بعزّتك، وأيدّ حماتها بقوّتك، وأسبغ عطاياهم من جدتك… وكثّر عدّتهم، وأشحذ أسلحتهم واحرس حوزتهم، وامنع حومتهم، وألف جمعهم، ودبّر أمرهم، وواتر بين ميرهم، وتوحد بكفاية مؤنهم، واعضدهم بالنصر، وأعنهم بالصبر، والطف لهم في المكر - إلى أن قال - أللهم وقوّ بذلك محال أهل الإسلام، وحصّن به ديارهم، وثمر به أموالهم، وفرّغهم عن محاربتهم لعبادتك" الى أن قال: "أللهم أعزّ بكل ناحية من المسلمين على من بإزائهم من المشركين" ثم يسمي الأعداء مما يشهد بأن الإمام كان خبيراً بأوضاع المسلمين وأعدائهم فقال: "أللهم واعمم بذلك أعداءك في أقطار البلاد من الهند والروم والترك والخزر والحبش والنوبة والزنج والسقالبة والديالمة وسائر أمم الشرك، الذين تخفى أسماؤهم وصفاتهم، وقد أحصيتهم بمعرفتك، وأشرفت عليهم بقدرتك". حبذا لو أن المسلمين يدرّبون أطفالهم على هذه القومية ويلقّنونهم إياها منذ نشأتهم مستمرين عليها إلى آخر أيامهم كما يلقّنونهم التوحيد والنبوة وغيرهما من الأصول الاعتقادية، لكي يمتزج اعتقادهم بتلك الأصول، مع الإحساس بأنهم مع أبناء عقيدتهم يشكلون جميعا أمة واحدة، فيعتزون بها فوق اعتزازهم بأسرتهم وقبيلتهم وشعبهم ووطنهم ومذهبهم وأية مزية أخرى يعتزون بها، ويتذكرون دائما أنهم قبل كل شيء أمة مسلمة. ثم لا يغلب شيء من هذه العلاقات والمميزات الفارقة بينهم - مهما كانت موضع اهتمامهم واعتزازهم - ذلك الإحساسَ الطيب المتعالي بأنهم أمة مسلمة، بل يبقى في نفوسهم ويتبلور في قلوبهم حيّاً طرياً، على مرّ الاجيال. فعلى الآباء والأمهات في بيوتهم، وعلى المعلّمين والشيوخ في مدارسهم وكتّابهم، وعلى الأساتذة في صفوفهم الجامعية، وعلى الخطباء والأئمة من على منابرهم وفي فترات مواعظهم، وعلى الكتاب والباحثين والمؤرخين والادباء فيما يكتبون ويبحثون وعلى الفنانين فيما يرسمون ويخلقون، وعلى الشعراء فيما ينشدون من الشعر والأناشيد، عليهم جميعاً تنمية هذا الإحساس الطيب والعاطفة القومية المقدسة بما عندهم من الصناعة بتذكار مفاخر الإسلام وبطولات المسلمين في الحروب والفتوحات الواسعة في شرق العالم وغربه، كفتح الأندلس وغيرها، وكذلك بذكرى الشهداء الذين استشهدوا في سبيل اللّه، والأبنية والآثار الباقية المشرقة من المساجد والمدارس والزوايا والقصور والدور هنا وهناك وغيرها من أعمال المسلمين، فيترنمون بها في أناشيدهم مثل أنشودة "الشرق لنا والغرب لنا". ثم يتوجب على العلماء والحكّام والقادة وكل من يهتم بعزّة الإسلام والمسلمين أن يقفوا بكل قوّتهم أمام الجهود المضادة والمساعي المبذولة من قبل الغربيين والمستشرقين وتلاميذهم منذ قرنين أو أكثر، الرامية الى إحياء القوميات الجاهلية، ليخلقوا من الأمة الإسلامية الواحدة أمما شتى، ومن الشعب المسلم الواحد والقومية الإسلامية الواحدة شعوبا وقوميات لا تقوم على أساس الاسلام. وهذه الجهود تتزايد وتتضاعف بين الشعوب المسلمة كل يوم رجاء أن يبعدوا المسلمين عن دينهم وأمتهم فيتفرقوا أمما بعد أن جعلهم الإسلام أمة واحدة، وهذا من أكبر التحديات التي تواجه الاسلام والمسلمين، والكلام في هذا ذو شجون، وللّه الأمر من قبل ومن بعد. ومع ذلك كلّه فان القومية الإسلامية لاتزال - رغم تلك الأمواج الهائلة والجهود المضادة - مرتكزة - والحمد للّه - في أعماق المسلمين، وأخذت في الاتساع لاسيما بعد نجاج الثورة الإسلامية المباركة في الجمهورية الإسلامية في إيران، وعلى أثر جهود رجال مخلصين في أنحاء العالم. ٢ - المسؤولية المشتركة والمتبادلة لن تتحقق فكرة الأمة الواحدة عند المسلمين، ولا ترتكز في النفوس ولا تستقر في القلوب، إلا بوجود المسؤولية المتبادلة والمشتركة في نفوسهم، فما بقيت أمة من الأمم إلا بتبادل هذه المسؤولية بين أبنائها، وذلك بأن يشعر كل فرد منهم في نفسه أنه مسؤول أمام الآخرين، لا يغفلون عن هذا الاحساس أبدا بل يرون الغفلة عنه نقصا في إيمانهم وعيبا في تقاليدهم، وعصيانا لربهم وخروجا عن دائرة أمتهم. ثم يرون أنفسهم مع غيرهم من أعضاء الأمة سواء في النفع والضرر، وفي البأساء والضراء، وفي الفلاح والخسران، ويكون همّهم بهذه المسؤولية لديهم فوق كل همومهم، وأمنية فوق كل أمنياتهم فيعيشون معها دائما. وهذا مغزى قول النبي (صلى الله عليه وآله): "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم". وقوله: "يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم" وهذا هو الذي أكده (عليه السلام) في العهد الذي عقده وكتبه بين المهاجرين والأنصار لدى هجرته، ومنه قول: "وإن ذمة الله واحدة يجير عليه أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالى بعض من دون الناس…. " [١٥] وهذا تنجيز لقوله في أوله: إن المسلمين أمة واحدة من دون الناس - وقد سبق. ومن شروط القيام بهذه المسؤولية الاطلاع على أوضاع المسلمين: ابتداءً بذوي القربى وأولي الأرحام والأسرة، ومروراً بالجار القريب والبعيد - حسب ما أكدت عليه السنة الشريفة - وعلى أهل البلد، وانتهاء بالمسلمين القاطنين في بلاد أخرى الى أقصى الأرض، ثم معرفة ما أحاط بهم من البأساء والضراء، وما يحيطهم من الشرور والحدثان وما تصيبهم من الفتن وما تحمل عليهم من الحروب والضغوط، وما يعانونه من الفقر والمرض والتخلّف والانقراض. وهذا الاطلاع بدوره يتوقف على معرفة الشعوب المسلمة جغرافيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا والإحاطة بجميع شؤونهم، وبإمكانياتهم مماله دخل في سعادتهم أو خسرانهم، في رقيهم أو تخلّفهم، فإذا تمت هذه المعرفة وحصل ذلك الاطلاع ورسخت تلك المسؤولية في القلوب، فسوف لا يمرّ على المسلم يوم إلا وشغله همّ إخوانه في أرجاء العالم من أي شعب ومذهب وقبيلة كانوا، فلا قرار له إذا سمع أخباراً مؤلمة عن المسلمين في أي بقعة من بقاع الارض; سواء كانت ناتجه عن تعرّضهم لنقمة جبابرة الارض والطغاة، أو ناتجة عن معارك داخلية بين المسلمين أنفسهم بسبب ضعف في النفوس، أو تعصب جاهل للآراء، أو دسيسة من دسائس أعدائهم. وفي مثل هذه الفتن والاقتتال بين المسلمين بالذات، أعلن القرآن مسؤولية المسلمين بالتدخّل حيث قال: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر اللّه فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) [١٦] فهل المسلمون قاموا بواجبهم أمام ما يجري الآن بين إخوانهم هنا وهناك؟ ويجب علينا ألا ننسى أن كثيرا من هذه الأمور والمسؤوليات إنما هي على عاتق الحكومات قبل الشعوب، وأن الشعوب إنما يتمكّنون من أن يقوموا بواجبهم إذا قامت به حكوماتهم، وهذا ما سنذكره عند الحديث عن الوحدة السياسية عند المسلمين. ٣ - قيام الحكم الإسلامي الوحدة الإسلامية تكون ذات فروع وشعب، ولا تكمل الوحدة إلا بتحققها جميعاً: فهناك وحدة اجتماعية، قوامها شعور المسلمين جميعا بأنهم أمّة واحدة ذات مسؤولية متقابلة ومشتركة بين أبناءها - وقد سبقت - وهناك وحدة سياسية، قوامها قيام حكم إسلامي في البلدان الإسلامية، ووجود سلطة عادلة فيها قائمة على أساس الشريعة الإسلامية، ملتزمة بالعمل بها في كل أعمالها، مهتمة بأمور المسلمين ورعاية مصالحهم والدفاع عن حقوقهم في الأوساط العالمية. ومن أهمّ وظائف ومسؤوليات هذا الحكم على صعيد الثقافة، توسيع نطاق الفقه الإسلامي ولاسيما الفقه السياسي، وكذلك العلوم الإسلامية جمعاء، وصيانة الحضارة الإسلامية وإحيائها. ونشر الثقافة الإسلامية بكل فروعها، وإعداد العلماء والمثقفين، والعسكريين والحقوقيين وغيرهم، ملتزمين مؤمنين. وكذلك تربية الأجيال المؤمنة جيلا بعد جيل، علما وعملا، وخلقا، وأيضا تحكيم روح العزّة والشخصية الإسلامية في النفوس، وتحقيق العلو الاسلامي في كل أقطار المسلمين، هذا العلوّ العادل السليم الذي بشر به القرآن في قوله: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) [١٧] وبقوله: (فلا تهنوا وتدعوا الى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يَتِرَكم أعمالكم) [١٨]. والحكم الإسلامي ركن الإسلام الذي لا يقوم الإسلام إلا به، وقد قام به النبي لدى هجرته المباركة بعد أن وضع الله حجره الأول الأساس وهيّأ أرضيته قبيل الهجرة لما أذن بالقتال والدفاع في قوله الحكيم: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا وأن الله على نصرهم لقدير - إلى قوله - ولله عقبة الأمور) [١٩] وثناها بالأمر بالجهاد بقوله: (وجاهدوا في اللّه حق جهاده هو اجتباكم…. ) [٢٠] وأكملها بالترغيب إلى الهجرة والاستشهاد في سبيل الله بقوله: (والذين هاجروا في سبيل الله ثم قُتلوا أو ماتوا ليرزقنهم اللّه رزقا حسناً وإن اللّه لهو خير الرازقين) [٢١]. وهذه أول آيات الجهاد والهجرة، جاءت في سورة الحج التي نزلت - على أصح الأقوال - بمكة المكرمة قبيل الهجرة، أو في طريقها، إيذاناً بأنه قد حان دور الحكم الإسلامي الذي ينشده النبي والمسلمون، ويتمنونه، وتبشيرا بأن الله على نصرهم لقدير وسوف ينصرهم على أعداءهم. ونحن نعلم أن القتال من أظهر أعمال الحكم. وكان المسلمون في مكة يريدون الدفاع عن أنفسهم بالسلاح، وكان الله تعالى يأمرهم بالصبر ليحين حينه وقد حان بالهجرة. والحديث في صعيد الحكم الإسلامي، أو الحكومة الإسلامية يتطلب محاضرات وأبحاثا متتابعة بل وكتبا متوالية، ولسنا نحن الآن بصدد بسط الكلام فيه، وإنما الغرض التأكيد على أن الحكم الإسلامي هو أساس هذا الدين، وعماد لإرساء قواعده، وضمان لإجراء أحكامه وأنه لا ينبغي لمسلم التغافل عنه، زعماً أن دور الحكم الإسلامي بماله من الخصائص والمميزات قد انقضى، وأن ليس أمام المسلمين في العصر الحاضر سوى إقامة حكومات شعبية قائمة على أصوات الناس من دون ركونها إلى الإسلام. ونقول في جواب من يستبعد قيام الحكم الإسلامي، اعتقاداً بأن هذا الحكم - لو قام - سوف يعجز عن القيام بمسؤولياته إلى جانب الحكومات القائمة في العالم، أو زعما منه أن الإسلام في جوهره دين العبادة، دون السياسة، أو دين الحياة الآخرة، دون الحياة الدنيا، أو يشك في وجود قوانين وأحكام سياسية في الإسلام كفيلة بحاجات العصر، إلى غير ذلك من الأقاويل والآراء الناشئة على لسان أعداء الإسلام، أو من المسلمين أنفسهم في حقل الحكم الإسلامي، وكثير منها مصادمة لضروريات الإسلام، نقول لهؤلاء: أدلّ دليل على إمكان الشيء وجوده - كما يقول الفلاسفة - فقد استقر الحكم الإسلامي منذ عشرين سنة، بكل مسؤوليات ه ومستلزماته في "الجمهورية الإسلامية في إيران" وقد نجح - ولله الحمد - مع وجود عقبات جسيمة، وقيام جنود مجندة من القوى الشيطانية ضده، وقد غلب وانتصر عليها جميعاً بإذن اللّه. (ولتعلَمُنّ نبأه بعد حين) [٢٢] و (لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون) [٢٣]. والحكم الإسلامي، وكذلك الحاكم الإسلامي، جزء مهم من الفقه الإسلامي جاءت فيه شروطهما ووظائفهما، وخصّصَ العلماء من المذاهب الإسلامية كتباً باسم "الأحكام السلطانية" بالحكم الإسلامي يعبر عنه في الوقت الحاضر بـ "الفقه السياسي" ولا ننكر أن هذا الفقه صار نسيا منسياً في القرون الأخيرة عند أكثر المشتغلين بالفقه، إلا أن هذه الفكرة المقدسة تجددت في بعض الأقطار الإسلامية من قبل رجال غيارى على عزّة الإسلام والمسلمين، ومن أقدمهم وأبرزهم أثراً الحكيم والفيلسوف الكبير السيد جمال الدين الأفغاني (الاسد آبادي) وأصحابه وتلاميذه وأبناء مدرسته ثم تجلّت الفكرة واستمرت، واستحكمت، وبذلت في سبيلها جهود ثقافية وسياسية، حتى نجحت وللّه الحمد في الجمهورية الاسلامية الإيرانية بزعامة إمام وفقيه كبير: الإمام الخميني (رحمه الله). ونحن في هذه الفرصة القيمة نكتفي في مجال الحكم الإسلامي بتذكار أمور: منها: أن الحكم الإسلامي في طبيعته ليس له شكل خاص محدّد في الكتاب والسنة وفي الفقه الإسلامي بالذات، وفي كثير من النواحي يساير أشكال الحكم عند الآخرين وإنما يفارقها ويتميز عنها بشرطين أساسيين: الأول: أن تجري الأمور فيه طبقاً للشريعة الإسلامية ورعاية ما تقرّر في الفقه الإسلامي من الشروط سواء في الحاكم: من الفقاهة والعدالة والقدرة على تدبير الأمور وغيرها أو في كيفية الحكم أي البيعة الشرعية مع الحاكم ومشاورة الحاكم أهل الحل والعقد وأمثال ذلك. وبناء على ذلك فمن شروط الحكم الإسلامي وجود الفقيه في كيان الحكم، مباشرة أو إشرافاً بشكل من الأشكال - من دون صورة محددة - صونا للحكم عن مجراه الإسلامي. الثاني: أن يظهر الحكم بمظهر شعبي، يتدخّل الناس، في أصل استقرار النظام الحاكم، وفي انتخاب الحاكم، والمشاورين، بنحو من الأنحاء، من دون أن يكون محدداً بصورة خاصة. ومنها: أن الحكم الإسلامي الذي قام في عصر النبي (صلى الله عليه وآله)، وبعده كان واحداً مسيطراً على الوطن الإسلامي كله - المعبر عنه في الفقه بـ "أرض الإسلام" أو بـ "دار الإسلام" - واستمر إلى أمد بعيد، وهذا، أي وحدة الحكم، هو الأصل المتبع في الإسلام، من دون دليل قطعي عليه سوى تلك السيرة المستمرة في صدر الإسلام، المستمدة - كما نستظهر - من تأكيد الإسلام كتاباً وسنة على الوحدة والتحذير عن التفرقة، ولا سيما أن جملة من الآيات الداعية إلى الوحدة مثل آيات سورة آل عمران: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته…. واعتصموا بحبل الله جميعا…. ) سياقها سياسي باعتبار نزولها بعد غزوة أحد التي اختلف من كان مع النبي حولها وتخلّف عنها جماعة. وكانت مسألة سياسية. إلا أن هذه الوحدة السياسية انفصمت فيما بعد، لأمور ثبتت في التاريخ الإسلامي - وهي عبرة لمن اعتبر - فتعددت الحكومات الإسلامية في أرض الإسلام شرقا وغربا، وقامت في قطر واحد مثل الأندلس حكومات متعارضة ومتحاربة فيما بينهم حتى انقرضوا جميعاً وتركوا تلك الجنة المفقودة لغيرهم، وأصاب المسلمين ما أصابهم، من القتل والخروج من ديارهم والغرق في البحر إلى غيرها من صور المأساة. والمسألة الآن تدور لدى المهتمين باقامة الحكم الإسلامي حول علاج هذه التعددية السياسية في العالم الإسلامي. وأقصى ما انتهت إليه الجهود التي بذلت من قبل المخلصين في البلاد الإسلامية، هو تأسيس "منظمة المؤتمر الإسلامي" التي جمعت في نطاقها الرؤساء والملوك والقادة المسلمين لعلاج ما قد يتفق من المشاكل الهامة في قطر من الأقطار الإسلامية. غير أن هذه المنظمة - مع ماقامت به من جهود مشكورة لتوحيد صفوف المسلمين، وتنسيق الجهود والخطى بينهم، لا يمكن أن تشكل وحدة سياسية اسلامية لما بين أعضائها من اختلاف واسع في الرؤى بشأن الاسلام وبشأن الانتماء السياسي والفكري. إذن ماهو المشروع الذي يستطيع أن يجمع بلدين أو أكثر عندما تقوم فيها حكومات اسلامية؟ هناك اقتراح بتشكيل الجماهير الإسلامية أو تأسيس مجلس أعلى اسلامى يشترك فيه الممثلون من كل قطر، أو اتخاذ إمام من بين الفقهاء يرجع اليه الجميع في القضايا المهمة إلى غير ذلك، والهدف من هذه المقترحات شيء واحد، وهو الوصول إلى وحدة سياسية بين المسلمين على ضوء الإسلام. ٤ - الحضارة والثقافة الإسلامية لا تجد خبيرا بالحضارات البشرية ينكر أثر الحضارة الإسلامية ودورها في الحضارات المتأخرة بل في حياة الإنسان الحضاري. فالإسلام بماله من السماحة والمرونة، والاعتراف بالحق والعدل والخير قد جمع في حوزته الحضارات السابقة، خاصة ما كانت للروم واليونان، والهند وإيران من الثقافة والعلوم، إلى جانب ما نشأ من تعاليم الإسلام القيمة، فأتى بحضارة لم تخطر على بال، وهي مفخرة للمسلمين عامة، كما هي ميراث لهم جميعاً ولا تنحصر بشعب أو بناحية، فلكل منهم حظّ وسهم فيها بتفاوت بينهم حسب ما كانت لهم من الحضارات العريقة، ثم حسب استعدادهم لكسب العلم، واهتمامهم بأمر الحياة والثقافة. والثقافة الإسلامية العامة تعد شريان الحياة المعنوية للمسلمين. وهي تشمل العلوم الإسلامية، والأدب الإسلامي العام، واللغات الإسلامية الدارجة بين الشعوب المسلمة، والفنّ الإسلامي والصنايع والتقاليد والرسوم الإسلامية إلى غيرها. فهذه الثقافة الشاملة العريقة من أقوى أسباب وحدة الأمة، وعنوان ومعلم لها، بل هي من أعظم معالمها وقيمها التي استمدت مادّتها من الإسلام، وإليه تنتهي، ومنه نشأت. ومن بينها اللغات الإسلامية، فإنها وإن اختلفت جذورها، إلا أن كثيراً من ألفاظها الدارجة مأخوذة من اللغة العربية وهي أم لها جميعاً، وقسطاً كبيراً من مفاهيمها في الأدب نثراً أو نظماً والأناشيد والمحاورات العامة، أصلها القرآن والحديث. ومن أجل ذلك فالاحتفاظ بتلك اللغات بمالها من اللون الإسلامي والطابع الديني، خدمة مشكورة لتراث الإسلام. ووجد المستعمرون أن اللغات الاسلامية تشكل رابطة وثقية بين الشعوب المسلمة، ولذلك سعوا الى إزالة هذه اللغات وإحلال لغة المستعمرين. ٥ - السماحة الإسلامية كل ماحصل للمسلمين من الحضارة والمعرفة والتقدم والقوّة والوحدة وغيرها من القيم هي رهين سماحة الاسلام ومرونته: فمثلاً القوة السياسية لا تترسخ في شعب من الشعوب إلا بوجود روح السماحة والتعايش السلمي فيما بينهم، وبها يتعارفون ويتفاهمون ويتشاورون ويستمعون الأقوال والآراء، ويتبعون أحسنها، وكذلك فعل المسلمون عملاً بقوله تعالى: (…. فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هديهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) [٢٤] وسماحة الإسلام ليست في أحكامه فحسب - تصديقاً لقوله (عليه السلام): بعثت على الشريعة السمحة السهلة - بل يجب تحقيقها في الأرواح والنفوس وفي الخصال والأفكار والآراء لكي يكون المسلمون في عواطفهم وتفكيرهم وعقولهم ومعارفهم وأعمالهم كلها سمحاء فيكونوا من أولي الألباب. وإنما نؤكد على ترسيخ روح السماحة والمرونة بين أبناء الأمة الإسلامية، كفطرة انسانية للوصول إلى خصلتين: الأولى: الحيلولة بينهم وبين المفاخرات والتعصبات القومية والأحاسيس القومية والقبلية والحزبية ونحوها، فأنها لا تخفّ صولتها إلا بهذه الخصلة الإلهية ونحن نعلم - كما سبق - أن إحياء القوميات القديمة لدى الشعوب المسلمة حيلة استعمارية، فإذا غلبت على شعور القومية الإسلامية التي هي أساس وحدتهم وتضامنهم، فسوف يرجعون إلى جاهليتهم، ويبتعدون عن إسلامهم وأمتهم. ونحن نؤكّد أن الإسلام لم يأت ليزيل القوميات بل اعترف بها كأمر واقع في قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [٢٥] فالقوميات محترمة مالم تقم قبال التقوى التي بها قوام الأمة الإسلامية الواحدة حسب ما تقدم. وهذا جار في الأحزاب والجمعيات مما هي مثار التعصب والفرقة. الثانية - وهي أهم من الأولى - التحذير من التفرقة المذهبية التي ابتلى المسلمون بها - مع الأسف - منذ القرن الأوّل، ثم اشتدت، وتكثرت، وتشعبت بحماسة بالغة عند كل فرقة كما قال الله تعالى: (…. فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون) [٢٦]. وقد غذاها جهل الشعوب بالإسلام، وأهواء المبتدعين وطغيان الحكام والسلاطين، فجعلت من كل فرقة جماعة متعصبة، لا ترى الحق إلا ما عندهم ولا الباطل إلا ما عند الآخرين. والذى يزيل طغيانها إنما هو تغليب روح السماحة والانصاف على نفوس العلماء ثم الأتباع من كل مذهب، وهذا مايعبر عنه بـ "التقريب بين المذاهب الإسلامية" والذي بذلت وتبذل جهود في سبيله، ولنا في هذا المجال نشاطات في إطار المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية، نرجو أن يطلع عليه المؤمنون ويساهموا فيه. ونكتفي بعرض موجز للبحث الذي قدمناه الى "لجنة تنسيق العمل الاسلامي المشترك" في طهران حيث ركزّنا فيه على مايلي: ١ - إن المذاهب الاسلامية - رغم اختلافها في الفروع والمسائل الجانبيّة، متّفقة في الأصول التي تشكل جوهر الإسلام والتي من اعتقد والتزم بها فهو مسلم، ومن أنكرها جميعاً أو أشتاتا فليس بمسلم. ٢ - إنّ معظم الاختلاف بينها نشأ من الاجتهاد في فهم الكتاب والسنة أو في توثيق نصوص السنة، أو في قواعد الاستنباط، أو في تبيين تلك الأصول والتفريع عليها، ولادخل للسياسة والأهواء في هذا الاختلاف، وإن غذّتها أحيانا للتغلب على المنافسين. ٣ - إنّ المراد بالمذاهب الإسلامية التي نتحدّث عن التقريب بينها، هي المذاهب المعروفة عند أهل السنة والشيعة التي لها أصول مدوّنة من فقه وكلام وحديث وتفسير وغيرها من العلوم الإسلامية، وهي لاتتجاوز ثمانية مذاهب. وأما الفِرَق الشاذّة التي توجد هنا وهناك فهي إما مبدعة رأسا - وهي قليلة جدا - أو منشعبة ومنحرفة عن إحدى المذاهب المعروفة، وعندهم آراء وتقاليد لا تُشِبه الأصول الإسلامية، ونحن لا نسلبهم إسم الاسلام، بل ندعوهم إلى الرجوع إلى أحد المذاهب المعترف بها. ٤ - يجب على أئمة كل من هذه المذاهب بيان أصول مذهبهم وعرضها على العلماء من سائر المذاهب كي يطّلعوا على الفوارق بينهم وأنها لا تختلف في الأصول والأسس. ٥ - أن لا يخلطوا الأصول بالفروع عندهم، فيجعلوا ما اختص بهم من الفروع في زمرة الأصول - وقد حدث - فإن ذلك يخرج المذاهب عن كونها مذاهب ويؤول أمرها إلى حسبانها أديانا مختلفة. ٦ - النقاط المبهمة والمريبة عند كل مذهب يجب الرجوع فيها إلى الخبراء في هذا المذهب، دون الأخذ عن خصومهم، أو الاعتماد على الشائعات بين العوام من هذا المذهب، وعلى هؤلاء الخبراء إزالة الشكوك العالقة ببعض ماعندهم حتى يرتفع الريب واللوم، وتذوب الظنون السيئة التي رسخت في نفوس الآخرين. ٧ - بعد هذه الجهود المبذولة من قبل هؤلاء الخبراء، يجب الاعتراف بالمذاهب المعروفة كمدارس إسلامية مستمدة من الكتاب والسنّة، والاجتناب عن إنكارها، أو رميها بالبدعة، ورمي أتباعها بالكفر والفسوق، والخروج عن الدين، أو الفتيا - والعياذ باللّه - بـإباحة دمائهم أو وجوب إراقتها - كما حدثت في التاريخ. ٨ - الإمساك من قِبل أتباع كل مذهب عن القيام بنشر مذهبه بين أتباع المذاهب الأخرى، فهذا مثار التنازع والتقاتل. ٩ - السعي الى فتح باب الاجتهاد عند علماء كل مذهب - مع رعاية الانصاف والسماحة - بالرجوع إلى الكتاب والسنة من جديد، وإلى الأصول العلميّة والمدوّنات المهمة عند كل واحد من المذاهب لتتم شروط الاستنباط، وبدون ذلك لا تجوز الفتيا ولا إصدار الرأي. ونحن واثقون بأن الاجتهاد الشامل سوف يرفع كثيرا من الخلاف، ويقرّب الآراء. ١٠ - تشكيل لجان علمية بين أئمة المذاهب، لتبادل الآراء في أصول الإسلام المشتركة، وفيما اختلفت المذاهب فيه، وصولا إلى الوفاق، والاحترام المتقابل بينهم، وليعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا، ويتعاونوا فيما اتفقوا. هذه أصول عشرة للتقريب بين المذاهب الإسلامية ينبغي أن نأخذها كميثاق بين العلماء. أعلام الوحدة الإسلامية لاشكّ أن النبي عليه الصلاة والسلام بوصفه المؤسّس للأمة الإسلامية، ورسول الإنسانية والوحدة وصاحب الخلق العظيم، والسماحة، والعفو، والمداراة مع الناس، كان حريصا على المؤمنين، وعلى تأليف قلوبهم وتوحيد صفوفهم، والسيرة الشريفة حافلة بذلك، ثم الخلفاء الراشدون اقتدوا به في كثير من الخصال وخاصة في المشاورة فيما جد من الأمور والأخذ بالعفو. وفي عهد ظهور المذاهب الفقهية ثمة المثل الأعلى من التعايش العلمي بين أئمة المذاهب، ولاسيما بين الإمام جعفر بن محمد الصادق من أئمة آل البيت، وبين كل من الإمام أبي حنيفة إمام مذهب الرأي والقياس، والإمام مالك بن أنس إمام أهل الحديث. فقد تعلما عند جعفر بن محمد وأخذا عنه وبالغا في وصفه كما جاء في الروايات ولاسيما في "جامع المسانيد" الحافل بما روي عن الإمام أبي حنيفة، و"الموطأ" للإمام مالك وسواه من آثار المالكية وغيرها، ففيها روايات تحكي لنا العلاقة المتبادلة المحترمة بين الإمام جعفر بن محمد وبين كل منهما. وبعد هذا العهد كلما تأخّر الزمان نجد دائرة الشقة بين المذاهب تتوسع ويظهر بين الأئمة الشقاق بدل الألفة والوفاق، ولا توجد نماذج ممن يتصف بالسماحة بينهم إلا النادر. ومن ذلك مثلا الأشعري إمام الأشاعرة، له كتاب في المذاهب الإسلامية سمّاه باسم تلوح منه روح السماحة والانصاف وهو "مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين" فذكر فيه عن كلّ مذهب ماكانوا عليه دون نقيصة ولا زيادة وسمّاهم مسلمين ومصلين. ثم نجد في القرن الرابع والنصف الأول من القرن الخامس، في الوقت الذي كانت السلطة بيد الديالمة، في البلاد الاسلامية، وفي بغداد بالذات، مشاركة ظاهرة في الأوساط العلمية ومجالس الدرس. فتوجد في هذا العهد جماعة من العلماء من السنة والشيعة يأخذون الحديث ويتداولون العلم بينهم فيقدر ويعظم التلميذ أستاذه رغم اختلافهم في المذهب، ونضرب لذلك مثلا الإمام أبا جعفر الطوسي، إمام الشيعة (٣٨٥ - ٤٦٠) فقد كانت جماعة من شيوخه من أهل السنة يروي آراءهم في كتبه بتكريم. وكتابه "التبيان في تفسير القرآن" أصدق شاهد على ذلك، وكذلك كتاباه في الفقه: "مسائل الخلافَ" و"المبسوط" فقد اتخذ فيهما طريقة تقريبية حسنة. ونموذج آخر الشريف الرضي (المتوفي ٤٠٦هـ) فله كتاب "حقائق التأويل" في تفسير القرآن فريد في الأدب القرآني، ولم يوجد منه سوى مجلّد من عشر مجلدات، يروي عن كثير من مشايخه في الأدب والتفسير وغيرها، ويترحم عليهم، وهو من أئمة الشيعة وهم من أهل السنة من المذاهب المختلفة. ثم نقترب إلى القرن السادس، وفيه إمامان من أئمة التفسير، أحدهما معتزلي وهو جار الله الزمخشري (م٥٣٨هـ) والآخر إمامي: وهو أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (م٥٤٨هـ)، فيعبر الزمخشري في تفسيره "الكشّاف" عن مخالفيه بتعظيم، ويصف الطبرسي الزمخشري وتفسيره بأبلغ وصف ويعظمه ويقدره في مقدمة تفسيره "جوامع الجامع" وقد اختار لمع مافي "الكشاف" من النكات البلاغية أولا في كتاب له باسم "الشافي الكافي" ثم جمعها مع لمع من تفسيره "مجمع البيان" في "جوامع الجامع"، ونحن نرى أن "الكشاف" و"مجمع البيان" من أحسن تفاسير المسلمين. وبعد ذلك دارت الأيام حتى جاء عهد العثمانيين والصفويين، أحدهما يدعم السنة باسم الخلافة، والآخر يدعم الشيعة باسم الملك، وعند ذلك قامت القيامة، وبدأت الحروب والمعارك بينهما من جهة، والتقابل الثقافي وحرب الأقلام بتأليف الردود والنقوض بين الجانبين من جهة أخرى وفيها من الإهانة والفحش والتنابز بالألقاب ما يحز في النفس، وفي هذا العهد صدرت الفتاوى بكفر الشيعة التي سببت تشديد القتال وإراقة الدماء. ونحن الآن وراث هذا التراث المضطرب المتلاطم المتخاصم، في عصر يسمى بعصر النور والتعايش السلمي والحوار بين الأديان، وبين الحضارات، وعيب علينا أن لا نعالج هذا الفراغ والشقة عندنا مع وجود مشتركات كثيرة بيننا، والآن حان الحين لندخل في التعريف بأعلام الوحدة والتقريب. بذلت جهود في سبيل الوحدة في القرن الثالث والرابع عشر الهجري في البلاد الإسلامية، لاسيما في شبه القارة الهندية وفي بعض الأقطار من إفريقيا لا نعلم عنها شيئا كثيرا ولا مجال الا لذكر القليل منها: السيد جمال الدين ومحمد عبده وأبناء مدرستهما وأبرز من قام ودعا إلى الوحدة الإسلامية في الأقطار الاسلامية ولاسيما في الهند وإيران ومصر واسطنبول هو السيد جمال الدين الأسد آبادي المعروف بالافغاني، والحديث عن هذه الشخصية الفريدة طويل لامجال للخوض فيه هنا وإنما نكتفي ببعض جوانبه. إنه كان يصر على إيقاظ المسلمين من غفلتهم والصمود أمام المستعمرين وعلى رأسهم إنكلترا، وفي خلالها كان يتحدث عن الوحدة الإسلامية وأما التقريب بين المذاهب فلم نجد أثراً منه سوى إدانة الاختلافات وسوى أنه ظهر بين مريديه بمظهر المجتهد الذي يعمل برأيه ولا يقلد مذهبا خاصاً، وأيضا يتّجه إلى فتح باب الاجتهاد، وقد نقل بعدة وسائط عن الشيخ حسن البناء (رحمه الله) أنه كان حاضرا إحدى جلسات دار التقريب في بداية تأسيسها حيث كانوا يبحثون عن اسم لها، فاقترح هو نقلا عن السيد جمال الدين أنه كان يعبر عن ذلك بالتقريب بين المذاهب فسموها دار التقريب بين المذاهب الإسلامية. نعم توقّف السيد في سني آخر عمره بـإسطنبول داعياً إلى الاتحاد الإسلامي واجتمع حوله جماعة من مريديه وتلاميذه، وكان لهم جهود جبارة في هذا المجال ولكن لا يعلم خطته في تحقيق هذا الاتحاد، هل كان بصدد إدغام الأقطار الإسلامية في بلد واحد تحت ظل خلافة عبد الحميد، أو كان همّه بعث الأمة الإسلامية في وجه العدو الأكبر حين ذاك، انكلترا أو غيرها من الأهداف. والذي لا ينكر من تأثير السيد في العالم الإسلامي أنه أيقظ أعين المسلمين ليقوموا صفا واحدا أمام الاستعمار والغرب، ويجدوا أنفسهم وشخصيتهم ويرجعوا إلى مجدهم الأول. ثم إنه في إيران ومصر وإسطنبول ولعله في غيرها دعا الى سلطة قانونية ونحن نعلم أن أنصار تحكيم نظام القانون - أي المشروطة - في إيران كانوا من تلاميذ السيد حيث زار إيران مرتين أو ثلاث مرات. وأيضا هذه الفكرة والتي قبلها مع فكرة فتح باب الاجتهاد رسخت بين تلاميذه في القاهرة وفي طليعتهم صديقه وتلميذه الإمام الشيخ محمد عبده، فإنه إلى جانب أعماله السياسية والعلمية، وإصلاح الأزهر كان يهتم بفتح باب الاجتهاد وهذا الأمر مشهود بصورة واضحة في تقريراته في تفسير القرآن كما جاء في "تفسير المنار". والإمام محمد عبده يعتبر الحلقة الثانية بعد السيد الأفغاني في هذه السلسلة. والذين جاهدوا في سبيل توسيع نطاق الفقه وفتح باب الاجتهاد على مستوى المذاهب في مصر كلهم أوجلهم كانوا من تلاميذ محمد عبده وفي طليعتهم - كما علمنا - الشيخ مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر الذي كانت له جهود في فتح باب الاجتهاد وفي تطوير الجامع الأزهر إلى جامعة أزهرية، كما كان له اهتمام بالوحدة والتقرب الى طائفة الشيعة، ومن ذلك أنه دعا الشيخ عبد الكريم الزنجاني العالم الشيعي من النجف الأشرف إلى القاهرة وفسح له المجال في نشر دعوته الإصلاحية والوحدوية، واقترح في بعض رسائله على المراغي فكرة مشروع مجلس أعلى إسلامي للنظر في أحوال المسلمين [٢٧]. ثم وصلت النوبة إلى رجال تأخروا قليلا عن الشيخ مصطفى المراغي وكان بعضهم من تلاميذه ومن أبرزهم علما وجهاداً المغفور له الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الجامع الأزهر الأسبق، فقد قام هذا الإمام بدعوة مهمة هي التقريب بين المسلمين، هو مع جماعة من معاصريه وتلاميذه وعلى رأسهم المغفور له الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر الأسبق. من حسن التصادف أن سافر من ايران إلى القاهرة في ذاك الوقت عالم كبير مثقف بالثقافة الحوزوية القديمة والثقافة الجامعية الجديدة، ألا وهو الإمام الشيخ محمد تقي القمي (رحمه الله) فالتقى بهؤلاء الشيوخ وكانوا جميعا يهتمون بأمور المسلمين ومشكلاتهم وعلى رأسها الاختلاف السائد بينهم، فاتفقوا على عمل جماعي وهو تأسيس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، فنشر بيانهم التأسيسي في البلاد الإسلامية وثنوه بنشر مجلة باسم "رسالة الإسلام" التي كان العلامة القمي مدير مسؤولها والعلامة الشيخ عبد العزيز عيسى (رحمه الله) رئيس تحريرها، وكان بيني وبينهما في إيران وفي القاهرة اتصال وصداقة. أئمة الشيعة الذين لبوا دعوة التقريب وما إن نشر البيان ووصل العدد الأول من رسالة الإسلام إلى العراق وإيران ولبنان وغيرها من العواصم الإسلامية حتى تلقاه رجال العلم وأئمة الدين. بالقبول والتقدير. وكان في طليعتهم المرجع الأعلى للشيعة الإمامية في إيران آية الله السيد حسين البروجردي الطباطبائي، فمنذ أن سمع هذا النداء لباه بأحسن تلبية، واتصل به العلامة القمي في إيران، وشرح له أهداف وأعمال دار التقريب كما عرفه بالقائمين بها فاعتنق السيد (رحمه الله) هذه الدعوة وقوّاها بكل ما كان في إمكانه مادياً ومعنوياً، وطبعاً كانت له اقتراحات على دار التقريب وقعت موقع القبول. ومن مظاهر دعمه لمشروع التقريب اهتمامه بشرح أهداف التقريب للطلبة سواء في مجالس درس الفقه التي كان يحضرها مايقارب ألف عالم، أو في جلساته الخاصة في بيته. كما كان يقترح مصرا على الطلبة بالرجوع الى روايات الجمهور وأقوالهم وآرائهم، وفي هذا الصدد كان مهتما بدرج روايات أهل السنة في موسوعة حديثية كانت تؤلف تحت إشرافه باشتراك جماعة كنت أنا واحدا منهم، ولكنه لم يوفق لذلك، ومما أبدى من الرأي في هذا السبيل قوله: إن روايات وأقوال أئمة أهل السنة هي المادة الأصلية للفقه الذي كان شائعاً بين الناس، وكان فقه أئمة أهل البيت في هامشها يتعرض لها نفيا أو إثباتا وتخطئة وتصويبا، وإن معرفة الجوّ الذي صدرت فيه روايات أهل البيت (عليهم السلام) لازمة في فهم رواياتهم وفتاويهم ولاسيّما في عهد الإمامين الباقر والصادق (عليهم السلام)، حيث بدء نشوء الفقه بصورة مدونة. كما أنه (رضي الله عنه) قام بعمل آخر في سبيل تقريب المذاهب وتهدئة الجو بين الفريقين قلما يعرفه أو يقدره العلماء، وهو أنه قال: "إن عقيدة الشيعة مبنية على ركنين، الأول: الاعتقاد بـإمامة علي والأئمة بعده وأنه كان خليفة الرسول الأول، الثاني: أن الأمة من آل البيت هم المرجع لحل المشاكل الدينية والأحكام بنص من الرسول في حديث الثقلين حيث قال: "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي" فكان يقول: إن قضية الخلافة لا تحتاج إليها الأمة الآن، والبحث فيها مثار الاختلاف، من دون أن يكون له ضرورة وإنما هي في عهدة التاريخ فلا داعي للخوض فيها، وأما أن الأئمة كانوا مرجعاً للأحكام، فهي حاجة لا تختص بزمان دون زمان فعلينا أن نكتفي في بحث الإمامة بهذه ونسكت عن الأولى ولا ضير في ذلك". ومن هذا المنطلق قام أحد العلماء في قم، بتأليف رسالة باسم "حديث الثقلين" وقد طبعتها ونشرتها دار التقريب بالقاهرة كما نشرت "المختصر النافع"، كفقه موجز للإمامية وغيرها. وممن لبى دعوة التقريب من النجف الأشرف الإمام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (رضي الله عنه) وله مقالات في مجلة رسالة الإسلام دعم فيها دعوة التقريب وأجاب عن الأسئلة والشكوك حولها، وله سابقة تربو على خمسين سنة في الدعوة إلى الوحدة الاسلامية، كما أنه أعلن حرمة كل الافعال المفرّقة التي يرتكبها الجهلة من الناس. وكانت له رحلة إلى القاهرة ودمشق وله فيها محاضرات قيمة طبعت، وهو قائل هذه الكلمة القيمة الذهبية: بني الاسلام على كلمتين: كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة، رحمه الله تعالى. وممن لبّى هذه الدعوة المباركة عالمان كبيران من لبنان وسوريا، أحدهما العلامة السيد محسن الأمين، وكان من جبل عامل لكنه نزل دمشق وله موسوعة كبيرة باسم "أعيان الشيعة"، وله مواقف عظيمة امام المستعمرين، وكان من رأيه كما حكى لي ابنه العلامة السيد حسن الأمين، في قبال أهل السنة أنه لا فرق بين الشيعة وبينهم سوى أنهم يتبعون الأئمة الأربعة ونحن نتبع أئمة أهل البيت وأيضا قال: "لو هجموا علينا في أمر المذهب، ندافع عن أنفسنا، ولا نهاجم أحداً أبداً"، وكانت هذه سيرته وله مشاريع إصلاحية في دمشق من تأسيس المدارس والجمعيات الخيرية وغيرها رحمه الله تعالى. وله رسالة قيمة موجزة في تأليف الامة سنقوم إن شاء الله بنشرها. والثاني الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين العاملى، وهو الذي فتح باب الحوار السليم في المذهب مع الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر السابق وقد طبعت الحوارات باسم "المراجعات"، ثم إنه لبى دعوة التقريب وكانت تتبادل بينه وبين دار التقريب رسائل رحمه الله تعالى. وله كتاب باسم "الفصول المهمة في تأليف الأمة" فريد في هذا الباب، وقد نشرناه في طبعة جديدة في المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية الذي أسسه القائد الإمام الخامنئي قبل سنين ليكون قاعدة لهذه الفكرة المباركة. والامام الخامنئي في توجهه هذا يحتذي حذو سلفه الامام الراحل الخميني الذي كان أساس دعوته الإصلاحية هو الوحدة الإسلامية، ولا مجال للحديث عنهما ومدى اهتمامهما بأمر الوحدة الإسلامية فانهما في العصر الحاضر في طليعة دعاة الوحدة. اكتفي بهذا الموجز، وآخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين [٢٨]. - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - ١ - بحث مقدم الى الدورة الحادية عشرة لمجمع الفقه الاسلامي - البحرين ٢٥ - ٣٠ رجب ١٤١٩هـ. ٢ - سيرة ابن هشام: ٢ / ١١٨. ٣ - سيرة ابن هشام ٢ / ١٥٠. ٤ - الأنفال / ٧٥. ٥ - الحجرات / ١٠. ٦ - الانبياء / ٩٢. ٧ - المؤمنون / ٥٢. ٨ - المائدة / ١٩. ٩ - البقرة / ٦٢. ١٠ - الحج / ١٧. ١١ - آل عمران / ١١٠. ١٢ - الحج / ٧٨. ١٣ - البقرة / ١٢٨. ١٤ - سيرة ابن هشام ط "دار احياء التراث العربي" ٢ / ١١٥. ١٥ - سيرة ابن هشام: ٢ / ١١٦. ١٦ - الحجرات / ٩. ١٧ - آل عمران / ١٣٩. ١٨ - محمد / ٣٥. ١٩ - الحج / ٣٩ - ٤١. ٢٠ - الحج / ٧٨. ٢١ - الحج / ٥٨. ٢٢ - ص / ٨٨. ٢٣ - الروم / ٤. ٢٤ - الزمر / ١٧ و ١٨. ٢٥ - الحجرات / ١٣. ٢٦ - المؤمنون / ٥٣. ٢٧ - خطاب الوحدة لزكي الميلاد / ١٣٣. ٢٨ - يضيف الاستاذ الى كلمته ملحقا يعرض فيه نموذجا من نماذج روح القومية الاسلامية، متمثلا بنشيد الاستاذ الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي وماذكره الشيخ بشأن هذا النشيد عند حديثه الى رسالة التقريب المنشور في العدد السابق.
|
مقالات أخرى من هذا الموضوع |
• كلمة لابدّ منها
(بازدید: 1040)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• العالم الاسلامي و أسئلة النهضة
(بازدید: 989)
(نویسنده: عبد الله القمي)
• سبيل اخراج الامة
(بازدید: 725)
(نویسنده: محسن عبد الحميد)
• قيم التضامن و التكافل في التراث العربي و الإسلامي و أبعادها الإنسانية
(بازدید: 1162)
(نویسنده: محمد قجة)
• أفكار حول التقريب و الوحدة
(بازدید: 1243)
(نویسنده: محمد علي التسخيري)
• أهل البيت المرجع بعد الرسول - صلى الله عليه و آله -
(بازدید: 811)
(نویسنده: الشيخ جعفر السبحاني)
• الصراع الإسلامي - الصهيوني أحد محاور الوحدة الإسلاميّة \ بقلم التحرير
(بازدید: 1023)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• المذاهب الإسلاميّة الخمسة: تاريخ وتوثيق
(بازدید: 2039)
(نویسنده: نبيل علي صالح)
• المصلحة الإسلاميّة في منهج أئمة أهل البيت
(بازدید: 867)
(نویسنده: شهاب الدين الحسيني)
• الوحدة الدينية الخاتمة
(بازدید: 1045)
(نویسنده: السيد محمّد باقر الحكيم)
• دعاة تقريب نعم
(بازدید: 823)
(نویسنده: علي المؤمن)
• الحب و التقريب
(بازدید: 921)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• السنن الحَسنة
(بازدید: 907)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• أمة إسلامية واحدة
(بازدید: 839)
(نویسنده: الدكتور محمود حمدى زقزوق)
• تجربة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة
(بازدید: 905)
(نویسنده: فهمي هويدي)
• تكريم روّاد التقريب
(بازدید: 875)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
• دور العصبيات في إضعاف الكيان الاسلامي
(بازدید: 1250)
(نویسنده: عبد الكريم آل نجف)
• رأي في التقريب
(بازدید: 852)
(نویسنده: الشيخ عبدالله العلايلي)
• علاج الحواجز النفسية للتقريب بين المذاهب الاسلامية عند الشهيد الصدر
(بازدید: 1028)
(نویسنده: الشيخ محمد رضا النعماني)
• فرصة عظيمة و لكنها مهددة
(بازدید: 918)
(نویسنده: محمّد علي آذرشب)
|